فأن قيل: هذا خطاب مع الكل، وكان فيهم من يعبد الله تعالى، كاليهود، والنصارى، فلا يجوز أن يقال لهم: ﴿لا أعبدُ ما تَعْبُدُونَ﴾، ولا يجوز أيضاً أن يكون قوله: ﴿وَلاَ أنْتُمَ عَابِدُونَ ما أعْبدُ﴾ خطاباً مع الكل؛ لأن في الكفار من آمن، فعبد الله.
فالجواب: أن هذا الخطاب مشافهة مع أقوام مخصوصين، وهم الذين قالوا: نعبد إلهك سنة وتعبد آلهتنا سنة وأيضاً لو حملنا الخطاب على العموم دخله التخصيص، وإذا حملناه على خطاب المشافهةِ لم يلزم ذلك.

فصل


قال القرطبي: الألف واللام ترجع إلى معنى المعهود، وإن كانت للجنس من حيث إنها كانت صفة ل «أي»، لأنها مخاطبة لمن سبق في علم الله تعالى أنه سيموت على كُفرهِ، فهي من الخصوص الذي جاء بلفظ العموم؛ ونحوه عن الماوردي: نزلت جواباً وعتاباً وعنى بالكافرين قوماً معينين، لا جميع الكافرين، لأن منهم من آمن، فعبد الله، ومنهم من مات، أو قتل على كفره، وهم المخاطبون بهذا القول، وهم المذكورون.

فصل


قال ابن الأنباري: وقرأ من طعن في القرآن: «قل للذين كفروا، لا أعبد ما تعبدون» وزعم أن ذلك هو الصواب، وذلك افتراء على ربِّ العالمين، وتضعيف لمعنى هذه السورة، وإبطال ما قصده الله من أن يذل نبيه للمشركين، بخطابه إياهم بهذا الخطاب المزري، وإلزامهم ما يأنف منه كل ذي لُبّ وحجر وذلك أن الذي يدعيه من اللفظ الباطل، قراءتنا تشتمل عليه في المعنى، وتزيد تأويلاً ليس في باطلهم، وتحريفهم، فمعنى قراءتنا: قل للذين كفروا، يا أيها الكافرون، دليل صحة هذا: أن العربي إذا قال لمخاطبه: قل لزيد: أقبل إلينا، فمعناه، قل لزيد يا زيد أقبل إلينا، فقد وقعت قراءتنا على كل ما عندهم، وسقط من باطلهم أحسن لفظ، وأبلغ معنى، إذ كان الرسول - عليه السلام - يعتمدهم في ناديهم فيقول لهم: «يا أيُّها الكَافِرُونَ» وهو يعرف أنهم يغضبون من أن ينسبوا إلى الكفرِ، ويدخلوا في جملة أهله، إلا وهو محروس ممنوع من أن تنبسط عليه منهم بدٌ، أو تقع به من جهتهم أذية، فمن لم يقرأ: ﴿قُلْ يا أيها الكافرون﴾، كما أنزلها الله، أسقط آية لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وسبيل أهل الإسلام ألاَّ يسارعوا إلى مثلها، ولا يعتمدوا نبيهم باختزال الفضائل عنه، التي منحه الله إياها، وشرفه بها.


الصفحة التالية
Icon