ننصرف حتى نراه، ونسمع كلامه، فقال لهم أبو لهبٍ: إنا لم نزل نعالجه، فتبَّا له وتعساً، فأخبر بذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فاكتأب لذلك، فأنزل الله: ﴿تَبَّتْ يَدَا أبِي لهَبٍ﴾.
وقيل: إن أبا لهبٍ أراد أن يرمي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالحجر، فمنعه الله تعالى من ذلك، فنزلت: ﴿تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ﴾ للمنع الذي وقع فيه.
فصل في تفسير التَّبِّ
قال ابن الخطيب: من فسر التبَّ بالهلاك، فلقوله تعالى: ﴿وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ﴾ [غافر: ٣٧]، أي: في هلاك، ومن فسَّره بالخسران، فلقوله تعالى: ﴿وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾ [هود: ١٠١]، أي: تخسير، ومن فسره بالخيبة، قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: لأنه كان يدفع القوم عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بأنه ساحر، فينصرفون عنه قبل لقائه؛ لأنه كان شيخ القبيلة - لعنه الله - فكان لا يأتيهم، فلما نزلت هذه السورة، وسمع بها غضب، وأظهر العداوة الشديدة، وصار مُتَّهماً، فلما قال في الرسول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - بعد ذلك، فكأنه قد خاب لسعيه، ولعله إنما ذكر التب؛ لأنه إنما كان يضرب بيده على يد الوافد عليه، فيقول: انصرف راشداً فإنه مجنون، فإن المعتاد أن من يصرف إنساناً يضع بيده على كتفه، ويدفعه عن ذلك الموضع.
ومن فسر التبَّ بقوله: ضلت، فلأنه كان يعتقد أن يده العليا، وأنه يخرجه من «مكَّة»، ويذلّه، ومن فسره: ب «صَفرَتْ» فلأن يده خلت من كل خير.
فصل في ترجمة أبي لهب
أبو لهب: اسمه عبد العُزَّى بن عبد المطلب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؛ وامرأته: العوراء أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب، وكلاهما كان شديد العداوة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
قال طارق بن عبد الله المحاربي: إني بسوق ذي المجاز، إذ أنا بإنسان يقول: «يا أيُّها النَّاسُ، قولوا: لا إلهَ إلاَّ اللهَ تُفلِحُوا» وإذا رجل خلفه يرميه، قد أدمى ساقيه وعرقوبيه، ويقول: يا أيها الناس، إنه كذاب ساحر، فلا تصدقوه، فقلت: من هذا؟.
فقالوا: محمد، يزعم أنه نبيّ، وهو عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب.
وروى عطاء عن ابن عباس قال: قال أبو لهب: سحركم محمد، إن أحدنا ليأكلُ الجذعة، ويشرب العُسّ من اللبن، فلا يشبع، وإن محمداً قد أشبعكم من فخذِ شاةٍ، وأرواكم من عُسِّ لبن.
قوله: ﴿مَآ أغنى﴾. يجوز في «مَا» النَّفي، والاستفهام، فعلى الاستفهام يكون