لأنهم يتحركون في مراداتهم. قاله أبو البقاء: إلا أنَّ الزمخشري أبطله، فقال بعد أن حكاه: «واستدلوا بنفر ورجال في سورة» الجنِّ «، وما أحقه لأن الجنَّ سموا حنًّا لاجتنانهم، والناس ناساً لظهورهم من الإيناس، وهو الإبصار، كما سموا بشراً، ولو كلن يقع الناس على القبيلين، وصح ذلك، وثبت لم يكن مناسباً لفصاحة القرآن، وبعده عن التصنُّع، وأجود منه أن يراد بالنَّاس: الناسي، كقوله: ﴿يَوْمَ يَدْعُ الداع﴾ [القمر: ٦]، ثم يبين بالجنة والناس؛ لأن الثقلين هما النوعان الموصفان بنسيان حق الله عَزَّ وَجَلَّ».
الخامس: أنه بيان ل ﴿الذى يُوَسْوِسُ﴾ على أنَّ الشيطان ضربان: جني، وإنسي، كما قال: ﴿شَيَاطِينَ الإنس والجن﴾ [الأنعام: ١١٢]، وعن أبي ذر، أنه قال لرجل: هلاَّ استعذت من شياطين الإنس.
السادس: أن يتعلق ب «وسوس»، و «مِنْ» لابتداء الغاية، أي: يوسوس في صدورهم من جهة الإنس، ومن جهة الجن.
السابع: أن «الناس» عطف على «الوسواس»، أي: من شر الوسواس والناس، ولا يجوز عطفه على «الجنَّة» ؛ لأن النَّاس لا يوسوسون في صدور النَّاس، إنما يوسوس الجن، فلما استحال المعنى حمل على العطف على الوسواس، قاله مكي.
الثامن: أن «مِنْ الجنَّةِ» ؛ حال من «النَّاس» أي: كائنين من القبيلين، قاله أبو البقاء، ولم يبين أي الناس المتقدم أنه صاحب الحال، وعلى كل تقدير فلا يصح معنى الحالية في شيء منها، لا الأول، ولا ما بعده، ثم قال: «وقيل: هو معطوف على الجنة»، يريد: «والنَّاس» الأخير معطوف على الجنة، وهذا الكلام يستدعي تقدير شيء قبله وهو أن يكون الناس عطفاً على غير الجنة؛ وفي الجملة فهو كلام يتسامح فيه.
فصل في شياطين الإنس والجن
قال الحسن: هما شيطانان لنا: أما شيطان الجن، فيوسوسُ في صدور الناس، وأما شيطان الإنس فيأتي علانية.
وقال قتادةُ: إن من الجن شياطين، وإنَّ من الإنس شياطين فتعوذ بالله من شياطين الجن والإنس.
وعن أبي ذر: أنه قال لرجل: هل تعوَّذتَ بالله من شياطين الإنس؟ [