قوله: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان﴾. يعني ابن آدم من غير خلاف «من نُطْفَة» أي: من ماء يقطر وهو المنيّ، وكل ماء قليل في وعاء، فهو نطفة؛ كقول عبد الله بن رواحة يعاتب نفسه: [الرجز]
٥٠٢٢ - مَا لِي أرَاكِ تَكْرَهِينَ الجَنَّهْ | هَلْ أنْتِ إلاَّ نُطفةٌ فِي شَنِّه؟ |
قوله: «أمْشَاجٍ» : نعت ل «نُطْفَةٍ» ووقع الجمع نعتاً لمفرد؛ لأنه في معنى الجمع كقوله تعالى: ﴿رَفْرَفٍ خُضْرٍ﴾ [الرحمن: ٧٦] أو جعل جزء من النطفة نطفة، فاعتبر ذلك فوصفت بالجمع.
وقال الزمخشري: «نُطْفةٍ أمشاج» كبُرمةٍ أعشارٍ وبُرٍّ أكباش وثوب أخلاق وأرضٍ يباب وهي الفاظ مفردة غير جموع ولذلك وقعت صفات للأفراد، ويقال: نطفة مشج؛ قال الشماخ: [الوافر]
٥٠٢٣ - طَوتْ أحْشَاءَ مُرْتِجَةٍ لوقتٍ | عَلى مَشجٍ سُلالتُهُ مَهِينُ |
فقد منع أن يكون «أمشاج» جمع «مشج» بالكسر.
قال أبو حيان: وقوله مخالف لنص سيبويه والنحويين على أن «أفعالاً» لا يكون مفرداً.
قال سيبويه: وليس في الكلام «أفْعَال» إلا أن يكسر عيله اسماً للجميع، وما ورد من وصف المفرد ب «أفعال» تأولوه انتهى.
قال شهاب الدين: هو لم يجعل «أفعالاً» مفرداً، إنما قال: يوصف به المفرد، يعني التأويل ذكرته من أنهم جعلوا كل قطعة من البُرْمة بُرْمة، وكل قطعة من البرد برداً، فوصفوهما بالجمع.
وقال أبو حيان: «الأمشاج» : الأخلاط، وأحدها «مَشَج» بفتحتين أو مشج كعدل وأعدال، أو مشيج كشريف وأشراف. قاله ابن العربي؛ وقال رؤبة [الرجز]