قوله: ﴿أَحْيَآءً﴾. فيه أوجه:
أحدها أنه منصوب ب «كفات» قاله مكي، والزمخشري؛ وبدأ به بعد أن جعل «كِفَاتاً» اسم ما يكفت، كقولهم: الضِّمام والجماع.
وهذا يمنع أن يكون «كِفَاتاً» ناصباً ل «أحياءً» ؛ لأنه ليس من الأسماء العاملة، وكذلك إذا جعلناه بمعنى الوعاء على قول أبي عبيدة، فإنه لا يعمل أيضاً، وقد نصّ النحاة على أن أسماء الأمكنة والأزمنة والآلات وإن كانت مشتقة جارية على الأفعال لا تعمل، نحو: مَرْمَى، ومَنْجَل.
وفي اسم المصدر خلاف مشهور، ولكن إنما يتمشّى نصبهما ب «كفات» على قول أبي البقاء، فإنه يجوز فيه إلا أن يكون جمعاً لاسم فاعل أو مصدراً وكلاهما من الأسماء العاملة.
الوجه الثاني: أن ينتصب بفعل مقدر يدل عليه «كفاتاً» أي: يكفتهم أحياءً عى ظهرها، وأمواتاً في بطنها، وبه ثنى الزمخشري.
الثالث: أن ينتصب على الحالِ من محذوف، أي: يكفتكم أحياءً وأمواتاً، لأنه قد علم أنها كفات للإنس قاله الزمخشري، وإليه نحا مكي، إلا أنه قدر غائباً اي تجمعهم الأرض في هاتين الحالتين.
الرابع: أن ينتصب مفعولاً ثانياً ل «نجعل» و «كفاتاً» حال، كما تقدم تقريره.
وتنكير «أحياء وأمواتاً» إما للتفخيم، أي يجمع أحياء لا يقدرون وأمواتاً لا يحصون، وإما للتبعيض؛ لأن أحياء الإنس وأمواتهم ليسوا بجميع الأحياء ولا الأموات، وكذلك التنكير في «ماءً فراتاً» يحتمل المعنيين أيضاً، أما التفخيم فواضحٌ لعظم المنّة عليهم وأما التبعيض، فلقوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السمآء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ﴾ [النور: ٤٣] فهذا مفهم للتبعيض والقرآن يفسِّر بعضه بعضاً.
وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ﴾. أي جعلنا في الأرض «رواسي» وهي الثوابت «شامخات»، وهي الجبال الطُّوال، جمع شامخ، وهي المرتفعة جدًّا، ومنه شمخ بأنفه إذا تكبّر، جعل كناية عن ذلك كثني العطف، وصعر الخد وإن لم يحصل شيء من ذلك.
قوله تعالى: ﴿وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً﴾، أي: وجعلنا لكم سُقْياً، والفرات: الماء العذب يُشْرَب ويُسْقَى به الزرع، أي: خلقنا الجبال، وأنزلنا الماء الفرات، وهذه الأمور أعجبُ من البعث.
وروى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: في الأرض من الجنة الفرات والدجلة ونهر الأردن.