الروح؟ وما الجن؟ والمراد طلب ماهياتها، وشرح حقائقها، وذلك يقتضي كون ذلك المطلوب مجهولاً، ثم إنَّ الشيء العظيم الذي يكون لفظه مزيَّة يعجز العقل عن أن يحيط بكنهه كأنه مجهول، فحصل بين الشيء المطلوب، وبين الشيء العظيم مشابهة من هذا الوجه، فلذلك سُئل عنه بما استعاره، وكأنه مجهول، ومنه
﴿الحاقة مَا الحآقة﴾ [الحاقة: ١، ٢] ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ﴾ [المطففين: ٨]، و ﴿مَا العقبة﴾ [البلد: ١٢] وشبهه.
فصل
قال الفراء: السؤال هو أن يسأل بعضهم بعضاً كالتقابل، وقد يستعمل أيضاً في أن يتحدثوا به، وإن لم يكن بينهم سؤال، قال تعالى: ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ﴾ [الصافات: ٥٠، ٥١] الآية، وهذا يدل على التحدث.
فصل في نزول الآية
والضمير في ﴿يَتَسَآءَلُونَ﴾ ل «قريش».
روى أبو صالح عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قال: كانت قريش تجلس لمَّا نزل القرآن، فتتحدث فيما بينهم، فمنهم المصدقُ، ومنهم المكذبُ به، فنزلت ﴿عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ﴾.
وقيل: «عم» قسم، فشدد المشركون أين يختصمون، بدليل قوله تعالى: ﴿كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ﴾ [النبأ: ٤، ٥] وهذا تهديد، والتهديد لا يليق إلا بالكفار.
فإن قيل: فما تصنع بقوله: ﴿الذي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾ مع أنَّ الكفَّار كانوا متفقين في إنكار الحشر؟ فالجواب: لا نسلم اتفاقهم في إنكار الحشر؛ لأن منهم من كان يثبت المعاد الروحاني، وهم جمهور النصارى، وأما المعاد الجسماني، فمنهم من كان شاكَّا فيه لقوله: ﴿وَمَآ أَظُنُّ الساعة قَآئِمَةً﴾ [فصلت: ٥٠] ﴿وَلَئِن رُّجِّعْتُ إلى ربي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى﴾ [فصلت: ٥٠].
ومنهم من ينكرهُ، ويقول: ﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ [الأنعام: ٢٩].
ومنهم من يُقرُّ بهِ لكنه ينكر نبوَّة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقد حصل اختلافهم.
وأيضاً فهبْ أنَّهم كانوا منكرين له، لكن لعل اختلافهم في كيفية إنكاره، فمنهم من أنكر؛ لإنكاره الصانع المختار، ومنهم من ينكره؛ لاعتقاده أنَّ إعادة المعدوم ممتنعة لذاتها، والقادر المختار إنما يكون قادراً على الممكن في نفسه.
وقيل: الضمير في «يتَساءَلُونَ» هم الكفَّار والمؤمنون كانوا جميعاً يتساءلون عنه،