وأن يكون مصيباً في الرأي، فإذا لم نعلمه بعينه، ووجدنا أولاده مجتمعين على رأي علمناه حقّاً؛ لأنه لا بد وأن يوجد فيهم ذلك المحق.
فأما إذا اجتمعوا سوى الواحد على رأي لم نحكم بكونه حقّاً، لتجويز أن يكون الصواب مع ذلك الواحد المخالف.
ولهذا قال العلماء: إنا لو ميزنا في الأمة من كان مصيباً عمن كان مخطئاً كانت الحجة قائمة في قول المصيب ولم نعتبر ألبتة [بقول المخطئ.
قوله: لو كان المراد من كونهم وسطاً هو عدالتهم لزم أن يكون فعل العبد خلقاً لله تعالى.
قلنا: هذا مذهبنا. فإن قيل] قولهم: لم قلتم: إن إخبار الله - تعالى - عن عَدَالتهم وخيريّتهم اجتنابهم عن الصغائر؟
قلنا: خبر الله - تعالى - صدق، والخبر الصدق يقتضي حصول المخبر عنه، وفعل الصغيرة ليس بخبر، فالجمع بينهما متناقض.
ولقائل أن يقول: الإخبار عن الشَّخْص بأنه خير أهم من [الإخبار عنه بأنه خير في جميع الأمور، أو في بعض الأمور، ولذلك فإنه يصحّ تقسيمه إلى] هذين القسمين، فيقال: الخير إما أن يكون خيراً في بعض الأمور دون البعض، أو في كل الأمور، ومورد التقسيم مشترك بين القسمين، فمن كان خيراً من بعض الوجود دون البعض يصدق عليه أنه خير، فإذن إخبار الله - تعالى - عن خيرية الأمة لا يقتضي إخباره - تعالى - عن خيريتهم في كل الأمور، فثبت أن هذا لا ينافي إقدامهم على الكبائر فضلاً عن الصغائر، [وكنا قد نصرنا هذه الدلالة في أصول الفقه إلاَّ أن هذا السؤال وارد عليهم، أما السؤال الآخر فقد أجيب عنه بأن قوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾ خطاب لجميع الأمة أولها وآخرها، من كان منهم موجوداً وقت نزول هذه الية، ومن جاء بعدهم إلى [قيام الساعة]، كما أن قوله
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص﴾ [البقرة: ١٧٨]، ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام﴾ [البقرة: ١٨٣] يتناول الكل، ولا يختص بالموجودين في ذلك الوقت، [وكذلك سائر تكاليف الله - تعالى - وأوامره وزواجره خطاب لجميع الأمة] فإن قيل: لو كان الأمر كذلك لكان هذا خطاباً لجميع من يوجد إلى قيام الساعة، فإنما حكم جماعتهم بالعدالة، فمن أين حكمت لأهل كل عصر بالعدالة حتى جعلتهم حجّة على من بعدهم؟
قلنا: لأنه - تعالى - لما جعلهم شهداء على الإنسان فلو اعتبرنا أول الأمة وآخرها


الصفحة التالية
Icon