وَالسَّلَام ُ: «إذَا عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْس فاشْهَدْ» والشيء الذي أخبر الله تعالى عنه فهو معلوم مثل الشمس، فوجب جواز الشَّهَادة عليه.
والثاني: قالوا معنى الآية: لتشهدوا على الناس بأعمالهم التي خالفوا الحقّ فيها، قال ابن زيد رَحِمَهُ اللهُ تعالى: الأشهاد الأربعة: الملائكة الموكلون بإثبات أعمال العباد، قال تعالى: ﴿وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ﴾ [ق: ٢١].
وقال: ﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: ١٨] وقال: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار: ١٠ - ١٢].
وثانيها: شهادة الأنبياء، وهو المراد بقوله حاكياً عن عيسى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: ﴿وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المائدة: ١١٧].
وقال تعالى في حق سيدنا محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأمته في هذه الآية: ﴿لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾.
وقال في حق - محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً﴾ [النساء: ٤١].
وثالثها: شهادة أمة محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - قال تعالى: ﴿وَجِيءَ بالنبيين والشهدآء﴾ [الزمر: ٦٩].
وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد﴾ [غافر: ٥١].
ورابعها: شهادة الجَوَارح، وهي بمنزلة الإقرار، بل أعجب منه.
قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ﴾ [النور: ٢٤]. الآية، وقال: ﴿اليوم نَخْتِمُ على أَفْوَاهِهِمْ﴾ [يس: ٦٥] الآية.
القول الثاني: أن أداء هذه الشهادة إنما يكون في الدنيا، وتقديره أن الشهاة والمشاهدة والشهود هو الرؤية يقال: شاهدت كذا إذا رأيته وأبصرته.
ولما كان بين الإبصار بالعَيْن وبين المعرفة بالقَلْب مناسبة شديدة، لا جَرَمَ قد تسمى المعرفة التي في القلب: مشاهدة وشهوداً، والعارف بالشيء: شاهداً ومشاهداً، ثم سميت الدلائل على الشيء: شاهداً على الشيء، لأنها هي التي بها صار الشاهد شاهداً، ولما كان المخبر عن الشيء والمبيّن لحاله جارياً مجرى الدليل على ذلك سمي ذلك المخبر أيضاً شاهداً، ثم اختصّ هذا اللفظ في عرف الشرع بمن يخبر عن حقوق الناس بألفاظ مخصوصة على جهات مخصوصة. إذا ثبت هذا فنقول: إن كلّ من عرف حال شيء وكشف عنه كان شاهداً عليه، والله سحبانه وتعالى وصف هذه الأمة بالشهادة، فهذه الشهادة: إما أن تكون في الآخرة، أو الدنيا، ولا جائز أن تكون في الآخرة؛ لأن الله -