فصل


اختلفوا في هذه المحنة، هل حصلت بسبب تعيين القبلة، أو بسبب تحويلها؟ فقال بعضهم: إنما حصلت بسبب تعيين القبلة؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - كان يصلّي غلى الكعبة، فلما جاء «المدينة» صلى إلى «بيت المقدس»، فشق ذلك على العرب لترك قبلتهم.
قال القرطبي رَحِمَهُ اللهُ: والآية جوا لقريش في قولهم: ﴿مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ التي كَانُواْ عَلَيْهَا﴾ [البقرة: ١٤٢] وكانت قريش تألف الكعبة، فأراد الله - عَزَّ وَجَلَّ - أن يمتحنهم بغير ما ألفوه.
وقال الأكثرون: حصلت بسبب التحويل قالوا: إن محمداً صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لو كان على يقين من أمره لما تغير رأيه.
روى القَفَّال عن ابن جريج أنه قال: بلغني أنه رجع ناس ممن أسلموا، فقالوا: مرة ههنا ومرة ههنا.
وقال السدي رَحِمَهُ اللهُ تعالى: لما توجه النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - نحو المسجد الحرام واختلف الناس، فقال المنافقون: ما بالهم كانوا على قبلة ثم تركوها؟
وقال المسلمون: ليتنا نعلم حال إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون نحو بيت المقدس.
وقال آخرون: اشتاق إلى بلد أبيه ومولده.
وقال المشركون: تحيّر في دينه.
قال ابن الخطيب: وهذا القول أولى؛ لأن الشبهة في أمر النَّسخ أعظم من الشبهة الحاصلة بسبب تعيين القبلة [وقد وصفها الله - تعالى - بالكبر فقال عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الذين هَدَى الله﴾ فكان حمله عليه أولى].
قوله: «وإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً» «إنْ» هي المخففة من الثقيلة دخلت على ناسخ المبتدأ والخبر، وهو أغلب أحوالها، و «اللام» للفرق بينها وبين «إن» النافية، وهل هي لام الابتداء، أو لام أخرى أتى بها للفرق؟ خلاف مشهور.


الصفحة التالية
Icon