والثاني: أن يكُون مصدراً واقعاً موقع المَفْعُول، أي: المُهْدَى، ولذلك يقعُ للأفرادِ والجَمْعِ. قال أبو عَمْر بنُ العلاء: لا أعْرف لهذه اللَّفْظَةِ نَظِيراً.
وقرأ مُجاهد والزُّهريُّ: «الهَديُّ» بتشديد اليَاء، وفيها وجهان:
أحدهما: أن يَكُون جمع هَدِيَّة كمطيَّة ومطايا وركيَّة ورَكايا.
قال أحمدُ بنُ يحيى: أهلُ الحِجَاز يُخَفِفُون «الهَدْي»، وتميم يثقِّلُونَهُ؛ قال الشَّاعر: [الوافر]

٩٨٢ - حَلَفْتُ بِرَبِّ مَكَّةَ وَالْمُصَلَّى وَأَعْنَاقِ الهَدِيِّ مُقَلَّدَاتِ
وَيُقالُ في جمع الهَدْي: «أَهْدَاءُ».
والثاني: أنْ يكون فعيلاً بمعنى مَفْعُولٍ، نحو: قتيلٍ بمعنى: مَقْتُول.

فصل


قال القَفَّال: في الآية الكريمة إِضْمَارٌ، والتَّقدير: فَتَحَلَّلْتُم فما استيسر، وهو كقوله ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ﴾ [البقرة: ١٨٤] أي: فَأَفْطَرَ فِعِدَّة، وفيها إضمارٌ آخر، هو ما تَقَدَّم، أي: فَلْيَهْدِ أو فلينحر ما اسْتَيْسَرَ، فالواجِبُ ما استيسر، ومعنى الهَدي: ما يهدى إلى بيت الله، عزَّ وجلَّ، تقرباً إليه بمنزلة الهَديَّة.
قال عليٌّ وابنُ عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - والحسنُ وقتادة: أعلاه بدنه، وأوسطه بقرةٌ، وأخسه شاةٌ، فعليه ما تيسر من هذه الأجناس.

فصل


إذا عدم المُحْصَرَ الهَدْي، هل ينتقل إلى البَدَل؟ فيه خلافٌ قال أبو حنيفة: لا بَدَلَ لَهُ، ويكونُ الهَدْيُ في ذمِته أبداً؛ لأنه تعالى أوجَبَ على المحصرِ الهَدْيَ على التَّعْيين، ولم يثبت له بَدَلاً.
وقال أحمدُ: له بدلٌ؛ فعلى الأوَّل: هل له أنْ يَتَحلَّلَ في الحالِ، أو يقيم على إحرامه؟
فقال أبو حنيفة: يقيمُ على إحرامه؛ حتى يجدهُ للآية.


الصفحة التالية
Icon