وقوله تعالى: ﴿واذكروه كَمَا هَدَاكُم﴾ أمر بأن نذكره بالأسماء والصِّفات التي بيَّنها لنا وهدانا إليها، لا بأسماء تذكر بحسب الرَّأي والقياس.
وقيل: أمر بالذِّكر أولاً، ثم قال: ﴿واذكروه كَمَا هَدَاكُمْ﴾، أي: وافعلوا ما أمركم به من الذِّكر كما هداكم لدين الإسلام، كأنّه قال: إنَّما أمرتكم بهذا الذِّكر؛ لتكونوا شاكرين لتلك النِّعمة، ونظيره ما أمرهم به من التكبير عند فراغ رمضان، فقال: ﴿وَلِتُكْمِلُواْ العدة وَلِتُكَبِّرُواْ الله على مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٥]، وقال في الأضاحي: ﴿كذلك سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ الله على مَا هَدَاكُمْ﴾ [الحج: ٣٧].
وقيل: أمر أولاً بالذِّكر باللِّسان، وثانياً بالذِّكر بالقلب، فإن الذكر في كلام العرب ضربان:
أحدهما: الذِّكر ضد النِّسيان.
والثاني: الذِّكر بالقول.
فالأول: كقوله: ﴿وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ [الكهف: ٦٣].
والثاني: كقوله: ﴿فاذكروا الله كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٠٠]،
و ﴿واذكروا الله في أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣] فالأول محمول على الذِّكر باللِّسان، والثاني على الذكر بالقلب.
وقال ابن الأنباري: معنى قوله: ﴿واذكروه كَمَا هَدَاكُمْ﴾ أي: اذكروه بتوحيده كما ذكركم بهدايته.
وقيل: المراد مواصلة الذكر بالذِّكر؛ كأنه قيل لهم: اذكروا الله واذكروه، أي: اذكروه ذكراً بعد ذكر؛ كما هداكم هداية بعد هداية، نظيره قوله: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ اذكروا الله ذِكْراً كَثِيراً﴾ [الأحزاب: ٤١].
وقيل: المراد بالذكر الأول: ذكر الله بأسمائه وصفاته الحسنى، والمراد بالثاني: الاشتغال بشكر نعمائه والشُّكر مشتمل أيضاً على الذِّكر.

فصل


قال بعضهم: إن هذه الهداية خاصَّة، والمراد: كما هداكم في مناسك حجِّكم إلى سنَّة إبراهيم - عليه السلام -.
وقال بعضهم: بل هي عامَّة متناولة لكل أنواع الهدايات.
قوله: ﴿وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضآلين﴾ :«إنْ» هذه هي المخفَّفة من الثقيلة، واللام


الصفحة التالية
Icon