و «ماريته» : جادلته وشاكلته فيما يدعيه، و «افتعل» فيه بمعنى «تفاعل»، يقال: تماروا في كذا، وامتروا فيه نحو: تجاوروا، واجتوروا.
وقال الراغب: المِرْيَة: التردّد في الأمر، وهي أخَصُّ من الشَّك، والامتراء والمماراة المُحاجَّةُ فيما فيه مِرْية، وأصله من مَرَيْتُ النَّاقة إذا مَسحتَ ضَرْعَها للحَلْب.
ففرق بين المِرْية والشَّك كما ترى، وهذا كما تقدم له الفرق بين الرّيب والشَّك، وانشد الطبري قول الأعشى: [الطويل]
٨٣٩ - تَدُرُّ عَلى أَسْؤُقِ المُمْتَرِي | نَ رَكَضاً إِذَا مَا السَّرَابُ ارْجَحَنْ |
قال: ووهم في ذلك؛ لأن أبا عبيدة وغيره قالوا: الممترون في البيت هم الذين يمرُّون الخيل بأرجلهم هَمْزاً لتجري كأنهم يَتَحلبون الجري منها.
[فصل فيمن نزلت فيه الآية
قوله: ﴿فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين﴾ قال الحسن: من الذين علموا صحة نبوتك وإن بعضهم عاندوكم.
وقيل: بل يرجع إلى أمر القبلة.
وقيل: بل يرجع إلى صحة نبوته وشرعه، وهو أقرب؛ لأن أقرب مذكور إليه قوله: «من ربك» ؛ وظاهره يقتضي النبوة، فوجب أن يرجع إليه، ونهيه عن الامتراء لا يدلّ على أنه كان شاكاً فيه كما تقدم القول في هذه المسألة].
جمهور القراء على تنوين «كلّ»، وتنوينهُ للعوض من المضاف إيله، والجار خبر مقدم، و «وِجْهَة» مبتدأ مؤخر.
واختلف في المضاف إليه «كل» المحذوف.
فقيل: تقديره: ولكل طائفة من أهل الأديان [يعني: أن الله يفعل ما يعلمه صلاحاً، فالجهات من الله تعالى وهو الذي ولَّى وجوه عباده إليها فانقادوا لأمر الله تعالى، فإن انقيادكم خيرات لكم، ولا تلتفتوا إلى طعن هؤلاء، وقولهم: «ما ولاّهم عن قبلتهم أي التي كانوا عليها» فإن الله يجمعهم وإياكم في القيامة].