وثالثها: أن الله - تعالى - بين ذلك في قوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا القبلة التي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرسول مِمَّن يَنقَلِبُ على عَقِبَيْهِ﴾ [البقرة: ١٤٣] فأمرهم الله - تعالى - حين كانوا ب «مكة» أن يتجهوا إلى «بيت المقدس» ليتميزوا عن المشركين، فلما هاجروا إلى «المدينة» وبها اليهود أمروا بالتوجه إلى الكعبة ليتميزوا عن اليهود.
[ورابعها: أن في أفعاله حكماً، ثم إنها تارة تكون ظاهرة لنا، وتارة تكون مستورة خفية عنا، وتحويل القبلة يمكن أن يكون لمصالح خفية، وإذا كان كذلك استحال الطعن بهذا التحويل في الإسلام].

فصل في استقبال الرسول صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بيت المقدس هل كان عن رأي واجتهاد أم لا؟


اختلفوا هل كان استقباله بيت المقدس عن رأي واجتهاد أم لا؟
فقال الحسن: كان عن رأي واجتهاد، وهو قول عكرمة وأبي العالية.
وقال القرطبي: كان مخيراً بينه وبين الكعبة، فاختار بيت المقدس طمعاً في إيمان اليهود واستمالتهم.
وقال الزجاج: امتحاناً للمشركين، لأنهم ألغوا الكعبة.
وقال ابن عباس: وجب عليه استقباله بأمر الله - تعالى - ووحيه لا مَحَالَةَ، ثم نسخ الله ذلك، وهو قول جمهور العلماء نقله القرطبي.

فصل


اختلفوا أيضاً حين فرضت عليه الصَّلاة أولاً ب «مكة»، هل كانت إلى بيت المقدس أو إلى مكة؟ على قولين:
فقالت طائفة: إلى بيت المقدس وب «المدينة» سبعة عشر شهراً، ثم صرفه الله - تعالى - إلى الكعبة، قاله ابن عباس.
وقال آخرون: أول ما افترضت الصلاة إلى الكعبة، ولم يزل يصلّي إليها طول مقامه ب «مكة» على ما كان عليه صلاة إبراهيم وإسماعيل، فلما قدم «المدينة» صلى إلى «بيت المقدس» ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً على الخلاف، ثم صرفه الله إلى «الكعبة».
قال ابن عمر: وهذا أصح القولين عندي.
قوله تعالى: ﴿يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ تقدم الكلام على الهداية، قالت المعتزلة: إنما هي الدلالة الموصلة، والمعنى: أنّه - تعالى - يدلّ على ما هو للعبادة أصلح، والصراط المستقيم هو الذي يؤديهم - إذ تمسّكوا به - إلى الجنة.


الصفحة التالية
Icon