والجُنَاحُ: أصْلُه من المَيْل؛ من قولهم: جَنَحَ إلى كذا، أي: مال إليه؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا﴾ [الأنفال: ٦١] وجَنَحَتِ السَّفينةُ: إذَا لَزِمَت المَاءَ، فلم تَمْضِ.
وقيل للأضْلاَعِ، «جَوَانِحُ» ؛ لاعوجَاجِها، وجَنَاحُ الطَّائِر مِن هذا؛ لأنَّه يَمِيلُ في أَحَدِ شِقَّيْهِ، ولا يطيرُ على مستوى خلقته.
قال بعضهم: وكذلك أيضاً عُرْفُ القرآنِ الكَرِيمِ، فمعناه: لا جُنَاحَ عليه: أي: لا مَيْلَ لأَحدٍ عليه بمطالبَةِ شَيءٍ من الأشياء.
ومنهم من قال: بَلْ هو مختصٌّ بالمَيْل إلى البَاطلِ، وإل ما يؤْلَمُ به.
و «أنْ يَطَّوَّفَ» أي: «يَتَطَوَّفَ»، فأُدْغِمَت التَّاءُ في الطاء؛ كقوله: ﴿ياأيها المزمل﴾ [المزمل: ١]، ﴿ياأيها المدثر﴾ [المدثر: ١] ويقال: طَافَ، وأَطَافَ: بمعنىَ واحدس.
وقرأ الجُمْهُور «يَطَّوَّفَ» بتشديد الطاء، والواو، والأصل «يَتَطَوَّفَ»، وماضيه كان أًله «تَطَوَّفَ»، فلما أرد الإدغام تخفيفاً، قُلِبَتِ التاء طاء، وأُدْغِمَتْ في الطاء، فاحتيجَ إلى هَمزةِ وصْلٍ؛ لِسُكُونِ أوَّله؛ لأجل الإدغامن فأتى بها فجاء مضارعُهُ عليه «يَطَّوَّفَ»، فانحذفت همزة الوصل؛ لتحصُّنِ الحرفِ المُدْغَم بحرف المضارعة ومصْدَره على «التَّطَوُّف» ؛ رجوعاً إلى أصل «تَطَوَّفَ». وقرأ أبو السَّمَّال: «يَطُوفَ» مخفَّفاً من: طَافَ يَطُوفُ، وهي سهل، وقرأ ابن عباس: «يَطَّافَ» بتشديد الطاء، [مع الألِفِ، وأصله «يَطتَوف» على وزن «يَفْتَعِل»، وماضيه على «اطْتَوَف» افْتَعَلَ، تحرَّكَتِ الواوُ، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفاً، ووقعت تاء الافتعال بعد الطاء؛ فوجب قلبها طاء، وإدغام الطاء] فيها؛ كما قالوا: اطَّلَبَ يَطَّلِبُ، والأصل: «اطْتَلَبَ، يَطْتَلِبُ»، فصار «اطَّافَ»، وجاء مضارعُهُ عيله: «يَطَّافُ» هذا هو تصريفُ هذه اللفْظَة من كون تاء الافْتِعَالِ تُقَلَبُ طاءَ، وتُدْغَمُ فيها الطاءُ الأولى.
وقال ابن عَطِيَّة: فجاء «يَطْتَافُ» أُدْغِمَتِ [التاءُ بعد الإسكان في الطاء على مَذْهَبِ مَنْ أجاز إدْغَام الثَّاني] في الأوَّل، كما جاء في «مُدَّكِرٍ» ومن لم يُجِزْ ذَلِكَ، قال: قُلِبَتِ التاءُ طاءً، ثم أدغمت الطاء في الظَّاء، وفي هذا نَظَرٌ، لأنَّ الأصْلِيَّ أُدْغِمَ في الزائدِ، وذلك ضعيفٌ. وقول ابنِ عَطيَّة فيه خطأٌ من وجهين:


الصفحة التالية
Icon