وروي عنهم الإسكان أيضاً، واختاره أبو عبيد، وحكاه لغةً للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في [نحو] قوله: «نِعْمَّا المالُ الصالح مع الرجلِ الصالحِ».
والجمهور على اختيار الاختلاس على الإِسكان، بل بعضهم يجعله من وهم الرواة عن أبي عمرو، وممَّن أنكره المبرد، والزجاج والفارسي، قالوا: لأنَّ فيه جمعاً بين ساكنين على غير حدِّهما. قال المبرد: «لا يَقْدِرُ أحدٌ أن يَنْطِقَ به، وإنما يَرُومُ الجمعَ بين ساكنين فيحرِّك، ولا يَشْعُر» وقال الفارشي: «لعل أبا عمرو أخفى فظنَّه الراوي سُكُوناً».
وقد تقدَّم الكلام على «مَا» اللاحقة لنعم، وبئس. و «هي» مبتدأٌ ضميرٌ عائدٌ على الصدقات على حذف مضاف، أي: فنعم إبداؤها، ويجوز ألاَّ يقدَّر مضافٌ، بل يعود الضمير على «الصَّدَقَاتِ» بقصد صفة الإبداء، تقديره: فنعمَّا هي، أي: الصدقات المبداة. وجملة المدح خبرٌ عن «هي»، والرابط العموم، وهذا أولى الوجوه، وقد تقدَّم تحقيقها.
والضمير في ﴿وَإِن تُخْفُوهَا﴾ يعود على الصدقات. قيل: يعود عليها لفظاً ومعنًى، وقيل: يعود عليها لفظاً لا معنًى؛ لأنَّ المراد بالصدقات المبداة: الواجبة، وبالمخفاة: المتطوَّع بها، فيكون من باب «عِنْدِي دِرْهمٌ، ونصفُه»، أي: ونصف درهمٍ آخر؛ وكقول القائل: [الوافر]
١٢٣٦ - كَأَنَّ ثِيَابَ رَاكِبِهِ بِرِيحٍ | خَرِيقٌ وَهْيَ سَاكِنَةُ الهُبُوبِ |
والفاء في قوله: «فهو» جواب الشرط، والضمير يعود على المصدر المفهوم من «تُخْفُوهَا» أي: فالإخفاء، كقوله: ﴿اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ للتقوى﴾ [المائدة: ٨] و «لكم» صفةٌ لخير، فيتعلَّق بمحذوفٍ. و «خَيْر» يجوز أن يكون للتفضيل، فالمفضَّل عليه محذوف، أي: خيرٌ من إبدائها، ويجوز أن يراد به الوصف بالخيريَّة، أي: خيرٌ لكم من الخيور.
وفي قوله: «إِن تُبْدُواْ، وَإِن تُخْفُوهَا» نوعٌ من البديع، وهو الطِّباق اللَّفظيّ. وفي قوله: ﴿وَتُؤْتُوهَا الفقرآء﴾ طباق معنوي؛ لأنه لا يؤتي الصدقات إلا الأغنياء، فكأنه قيل: إن يبد الأغنياء الصدقات، وإن يخف الأغنياء الصدقات، ويؤتوها الفقراء، فقابل الإبداء بالإخفاء لفظاً، والأغنياء بالفقراء معنًى.