يَسْتَغْنِ، يُغْنِه اللهُ، ومَنْ يَسْتَعْفِفْ، يُعِفَّهُ الله، لأنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلاً يَحْتِطِبُ فِيهِ فَيَبِيعَهُ بمُدٍّ مِنْ تَمْرٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَل النَّاسَ».
فصل
اعلم: أنَّ العرب إذا نفت الحكم عن محكوم عليه، فالأكثر في لسانهم نفي ذلك القيد؛ نحو: «مَا رَأَيْتُ رَجُلاً صَالِحاً»، الأكثر على أنك رأيت رجلاً، ولكن ليس بصالح، ويجوز أنَّك لم تر رجلاً ألبتة؛ لا صالحاً ولا طالحاً، فقوله: ﴿لاَ يَسْأَلُونَ الناس إِلْحَافاً﴾ المفهوم أنهم يسألون، لكن لا بإلحاف، ويجوز أن يكون المعنى: أنهم لا يسألون، ولا يلحفون؛ والمعنيان منقولان في التفسير، والأرجح الأول عندهم، ومثله في المعنى: «مَا تَأْتِينَا فَتُحَدِّثَنَا» يجوز أنه يأتيهم، ولا يحدِّثهم، ويجوز أنه لا يأتيهم ولا يحدِّثهم، انتفى السبب، وهو الإتيان، فانتفى المسبِّب، وهو الحديث.
وقد شبَّه الزجاج - رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى - معنى هذه الآية الكريمة بمعنى بيت امرئ القيس؛ وهو قوله: [الطويل]
١٢٤٤ - عَلَى لاَحِبٍ لاَ يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ | إِذَا سَافَهُ العَوْدُ النَّبَاطِيُّ جَرْجَرَا |
قال شهاب الدين: قد سبق الشيخ إلى هذا ابن عطية فقال: «تَشْبيهه ليس مثله في خصوصية النفي؛ لأنَّ انتفاء المنار في البيت يدلُّ على نفي الهداية، وليس انتفاء الإلحاح،