فأدفعَه» فليس إعدادُك الخشبة؛ لأَنء يميلَ الحائطُ، ولا إعدادُك السلاح لأن يجيء العدو وإنما للإدغام إذا مال، وللدفع إذا جاء العدو، وهذا مِمَّا يعودُ إليه المعنى ويُهجَرُ فيه جانبُ اللفظ.
وقد ذهب الجرجانيُّ في هذه الآيةِ الكريمة إلى أَنَّ التقدير: مخافةَ أَنْ تَضِلَّ؛ وأنشد قول عمروٍ: [الوافر]
١٢٨٣ -............................... فَعَجَّلْنَا القِرَى أَنْ تَشْتِمُونَا
أي: «مخافَةَ أَنْ تَشْتِمُونَا» وهذا صحيحٌ لو اقتصر عليه مِنْ غير أَنْ يُعْطَفَ عليه قوله «فَتُذَكِّرَ» ؛ لأنه كان التَّقديرُ: فاستشهدوا رجلاً وامرأتين، مخافةَ أَنْ تضلَّ إحداهما، ولكنَّ عطفَ قوله: «فَتُذَكِّر» يُفسده، إذا يصيرُ التقديرُ: مخافةَ أَنْ تُذكِّرَ إحداهما الأخرى، [وإذكارُ إحداهما الأخرى] ليس مخوفاً منه، بَلْ هو المقصودُ، وقال أبو جعفرٍ: «سمعتُ عليّ بن سليمان يحكي عن أبي العباس أَنَّ التقديرَ كراهةَ أَنْ تَضِلَّ» قال أبو جعفر رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: «وهو غلطٌ إذ يصير المعنى: كراهةَ أَنْ تُذَكِّرَ إحداهما الأخرى».
وذهب الفرَّاء إلى أَن تقدير الآيةِ الكريمة: «كي تذكِّر إِحْدَاهُمَا الأخرى إِنْ ضَلَّت»، فلمَّا قُدِّم الجزاءُ اتَّصَل بما قبلَه ففُتِحَتْ «أَنْ»، قال: ومثلُه من الكلام: «إنه ليعجبُني أَنْ يسأل السَّائلُ فيُعْطى» معناه: إنه ليعجبني أَنْ يُعْطَى السَّائلُ إن سَأَلَ؛ لأَنَّه إنما يُعجِبُ الإِعطاءُ لا السؤالُ، فلمَّا قدَّموا السُّؤالَ على العطيَّة أصحبوه أن المفتوحة لينكشِفَ المعنى، فعنده «أنْ» في «أَنْ تَضِلَّ» للجزاءِ، إِلاَّ أَنَّهُ قُدِّم وفُتِح، وأصله التأخير.
وردَّ البصريُّون هذا القول أبلغَ ردٍّ. قال الزّجَّاج: «لَسْتُ أدري لِمَ صارَ الجَزَاءُ [إذا تقدَّم] وهو في مكانهِ وغير مكانه يوجب فتح أن». وقال الفارسيُّ: ما ذكره الفرَّاءُ دَعوى لا دلالةَ عليها، والقياسُ يُفْسِدها، أَلاَ ترى أنَّا نَجِدُ الحرفَ العامل، إذا تغيَّرت حركته؛ لم يُوْجِبْ ذلك تغيُّراً في عملِهِ ولا معناه، كما روى أبو الحسن من فتح اللام الجارَّةِ مع المُظْهر عن يونس، وأبي عُبيدة، وخلف الأَحمرِ، فكما أنَّ هذه اللامَ لمَّا فُتِحَتْ لم يتغيَّر من عملها ومعناها شيءٌ، كذلك «إنْ» الجزائيّة ينبغي، إذا فُتِحت أَلاَّ يتغيَّر عملُها ولا معناها، ومِمَّا يُبْعِدُه أيضاً أنَّا نجدُ الحرفَ العاملَ لا يتغيَّر عملُه بالتقديم و [لا] بالتأخيرِ، تقول «مَرَرْتُ بِزَيْدٍ» وتقول: «بزيدٍ مَرَرْتُ» فلم يتغيَّر عملُ الباءِ بتقديمها


الصفحة التالية
Icon