منها: أنَّ الفصاحةَ تقتضي مقابلة الضَّلالِ المرادِ به النّسيانُ بالإِذكار والتَّذكير، ولا تناسُبَ في المقابلة بما نقل عنه.
ومنها: أنَّ النِّساء لو بَلَغْنَ ما بلغْنَ من العددِ لا بدَّ معهنَّ مِنْ رجلٍ، هكذا ذكروا، وينبغي أن يكونَ ذلك فيما يُقْبَلُ فيه الرجلُ مع المرأَتين، وإلاَّ فقد نجدُ النِّساء يَتَمَحَّضْنَ في شهاداتٍ من غيرِ انْضِمام رجلٍ إِليهنَّ.
ومنها: أَنَّها لَوْ صَيَّرتها ذكراً؛ لكان ينبغي أن يكونَ ذلك في سائرِ الأحكامِ، ولا يُقتصَرُ به على ما فيه ماليّةٌ وفيه نظرٌ أيضاً، إذ هو مشتركُ الإِلزامِ لأنه يقال: وكذا إذا فسَّرتموه بالتَّذكير بعد النِّسيان لم يَعُمَّ الأحكامَ كلَّها، فما أُجيبَ به فهو جوابُهم أيضاً.
وقال الزمخشريُّ: «ومِنْ بِدَع التَّفَاسِير: [فَتُذَكِّرَ] فتجعلَ إحداهما الأخرى ذكَراً، يعني أنهما إذا اجتمعتا كانتا بمنزلةِ الذَّكَر» انتهى. ولم يجعل هذا القول مختصاً بقراءةٍ دونَ أُخرى.
وأمَّا نصبُ الرَّاء؛ فنسقٌ على «أَنْ تَضِلَّ» ؛ لأَنَّهما يَقْرآن: «أَنْ تَضِلَّ» بأن النَّاصبةِ، وقرأ الباقون بتشديد الكافِ من «ذَكَّرْتُه» بمعنى جعلتُه ذاكِراً أيضاً، وقد تقدَّم أَنَّ حمزة وحده هو الَّذي يرفع الرَّاءَ.
وخرج من مجموع الكلمتين أنَّ القُرَّاءَ على ثلاثِ مراتبَ: فحمزةُ وحدَه: بكسرِ «إِنْ» ويشدد الكافِ ويرفع الرَّاء، وابن كثير: بفتح «أنْ» ويخفف الكاف وينصب الرَّاء، والباقون كذلك، إِلاّ أنهم يُشَدِّدون الكافَ.
والمفعولُ الثَّاني محذوفٌ أيضاً في هذه القراءة كما في قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وفَعَّل وأَفْعَل هنا بمعنى: أَكْرَمْتُه وكَرَّمته، وفرَّحته وأَفْرَحته. قالوا: والتَّشديد في هذا اللَّفظ أكثرُ استعمالاً مِنَ التَّخفيف، وعليه قوله: [المتقارب]
١٢٨٥ - عَلَى أَنَّنِي بَعْدَ مَا قَدْ مَضَى | ثَلاَثُونَ لِلْهَجْرِ حَوْلاً كمِيلاَ |
يُذَكِّرُنِيك حَنِينُ العَجُولِ | ونَوْحُ الحَمَامَةِ تَدْعُو هَدِيلاَ |