جائزاً، لما حسن طلب دَفْعِهِ بالدُّعاء من الله تعالى، وأجاب المعتزلة بوجوهٍ:
الأول: المراد بالآية ما يشقُّ فعله مشقَّةً عظيمةً؛ كما يقول الرجل: لا أستطيع أن أنظر إلى فلانٍ؛ إذا كان مستثقلاً له؛ قال الشاعر: [الرجز]
١٣١٤ - إِنَّكَ إِنْ كَلَّفْتَنِي مَا لَمْ أُطِقْ | سَاءَكَ مَا سَرَّكَ مِنِّي مِنْ خُلُقْ |
الثاني: أنه تعالى لم يقل: «لاَ تُكَلِّفْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ» بل قال: ﴿لاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ والتَّحميل: هو أن يضع عليه ما لا طاقة له بتحمُّله، فيكون المراد منه العذاب، والمعنى: لا تحملنا عذابك الذي لا نطيق احتماله، فلو حملنا الآية على ذلك، كان قوله: «لاَ تُحَمِّلْنَا» حقيقةً فيه، ولو حملناه على التكليف، كان قوله: «لاَ تُحَمِّلْنَا» مجازاً فيه، فكان الأوَّل أولى.
الثالث: هب أنَّهم سألوا الله تعالى ألاَّ يكلِّفهم ما لا قدرة لهم عليه، لكن ذلك لا يدلُّ على جواز أن يفعل خلافه؛ لأنَّه لو دلَّ على ذلك، لدلَّ قوله: ﴿رَبِّ احكم بالحق﴾ [الأنبياء: ١١٢] على جواز أن يحكم بالباطل، وكذلك قول إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ﴿وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾ [الشعراء: ٨٧] على جواز خزي الأنبياء.
وقوله تعالى: ﴿وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين﴾ [الأحزاب: ١]، وقوله: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾
[الزمر: ٦٥]، وذلك لا يدلُّ على جواز أن يطيع الكافرين والمنافقين، ولا على جواز الشِّرك.
وأجاب مخالفوهم: بأن الوجه الأول مدفوعٌ من وجهين:
الأول: أنه لو كان المراد من ألا يشدِّد عليهم التَّكاليف، لكان معناه ومعنى الآية الأولى واحداً، فتكون تكراراً محضاً، وهو غير جائزٍ.