ويؤيِّد ما قلناه: أَنَّ اليمين في اللغة عبارةٌ عن القُوَّة؛ قال الشَّاعر: [الوافر]
١٠٩٥ - إِذَا مَا رَيَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ | تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ |
قوله: ﴿ولكن يُؤَاخِذُكُم﴾ وقعت هنا «َلَكِنْ» بين نقيضين؛ باعتبار وجود اليمين؛ لأنَّها لا تَخْلُو: إمَّا ألاَّ يقصدها القلبُ: بل جرتْ على اللسانِ، وهي اللَّغْوُ، وإمَّا أن يقصِدَها، وهي المنعقدةُ.
قوله تعالى: ﴿بِمَا كَسَبَتْ﴾ متعلِّقٌ بالفعلِ قبله، والباءُ للسببية كما تقدَّم، و «مَا» يجوزُ فيها ثلاثةُ أوجه:
أظهرها: أنها مصدريةٌ لتُقابل المصدر، وهو اللَّغو، أي: لا يؤاخذكم باللغوِ، ولكن بالكسب.
والثاني: أنها بمعنى «الذي»، ولا بُدَّ من عائدٍ محذوفٍ، أي: كَسَبَتْهُ؛ ويرجِّحُ هذا أنها بمعنى «الَّذِي» أكثرُ منها مصدريةً.
والثالثُ: أن تكونَ نكرةً موصوفةً، والعائدُ أيضاً محذوفٌ، وهو ضعيفٌ، وفي هذا الكلام حَذْفٌ، تقديره: ولكنْ يُؤاخِذكُمْ في أَيْمَانِكُمْ بما كَسَبَتْ قلوبُكُمْ؛ فحذف لدلالةِ ما قبله عليه.
فصل
قوله: ﴿يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾، أي: عزمتُم وقصدتُم إلى اليمين، وكَسبُ القَلْب: العقدُ والنِّيَّة.
وقال زيد بن أسلم في قوله: «وَلكِم يُؤَاخِذُكم بما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ» هو في الرَّجل يقول: هو مشركٌ إن فعل أي: هذا اللَّغو إلاَّ أن يعقد الشِّرك بقلبه ويكسبه.
واعلم أنَّ اليمين لا تنعقد إلاَّ باللهِ تعالى أو اسم من أسمائِهِ، أو صفةٍ من صفاته، فاليمين باللهِ أَنْ يقول: والَّذي أعبده، والَّذِي أصلِّي له؛ والَّذِي نفسي بيده، ونحو ذلك.
واليمين بأسمائه؛ كقوله: واللهِ؛ والرَّحْمنِ ونحوه.