باللسان لا الإعلام بما في النفس، فحقيقة هذا الاستثناء، منقطع، ثم قال: وذهب الفقهاءُ إلى أن الإشارة ونحوها في حكم الكلام في الأيْمَان ونحوها؛ فعلى هذا يجيء الاستثناء متصلاً».
والوجه الثاني: أنه متصل؛ لأن الكلام لغة يطلق بإزاء معانٍ: الرمز والإشارة من جملتها.
أنشدوا: [الطويل]

١٤٤٧ - إذَا كَلَّمَتْنِي بِالْعُيُونِ الْفَوَاتِرِ رَدَدتُ عَلَيْهَا بِالدُّمُوعِ الْبَوَادِرِ
وقال آخر: [الطويل]
١٤٤٨ - أرَادَتْ كَلاَماً فَاتَّقَتْ مِنْ رَقِيبِهَا فَلَمْ يَكُ إلاَّ وَمْؤُهَا بِالْحَوَاجِبِ
وهو مستعمل، قال حبيب: [البسيط]
١٤٤٩ - كَلَّمْتُهُ بِجُفُونٍ غَيْرِ نَاطِقَةٍ فَكَانَ مِنْ رَدِّهِ مَا قَالَ حَاجِبُهُ
وبهذا الوجه بدأ الزمخشريُّ مختاراً له، قال: «لما أدى مؤدَّى الكلام، وفُهِم منه ما يُفْهَم سُمِّي كلاماً، ويجوز أن يكون استثناء منقطعاً».
والرمز: الإشارة والإيماء بعين، أو حاجب أو يَدٍ - ذكر بعض المفسّرين أن إشارته كانت بالمُسَبِّحة ومنه قيل للفاجرة: الرَّمَّازة، والرمَّازة، وفي الحديث: «نَهَى عَنْ كَسْبِ الرَّمَّازَةِ»، يقال منه: رمزت ترمُز وترمِز - بضم العين وكسرها في المضارع.
وأصل الرمز: التحرك، يقال: رمز وارْتَمز أي: تحرَّك، ومنه قيل للبحر: الراموز، لتحركه واضطرابه.
وقال الراغب: «الرمز: الإشارة بالشفة والصوت الخفي، والغمز بالحاجب. وما ارمَازَّ: أي ما تكلم رمزاً، وكتيبه رمَّازة: أي: لم يُسْمَع منها إلا رَمزاً؛ لكثرتها».
ويؤيد كونه الصوت الخفي - على ما قاله الراغب - أنه كان ممنوعاً من رفع الصوت.
قال الفراء: «قد يكون الرمز باللسان من غي أن يتبيَّن، وهو الصوت الخفي، شبه الهَمْس».


الصفحة التالية
Icon