ومنها: دوَّم الطائر، إذا حَلَّق ودار.
قوله: «عَلَيْهِ» متعلق ب «قائِماً» وفي المراد بالقيام - هنا - وجهان:
الأول: الحقيقة، وهو أن يقوم على رأس غريمه، ويلازمه بالمطالبة، وإن أخَّره أنكر.
قال القرطبيُّ: استدل أبو حنيفةَ على مذهبه في ملازمة الغريم بقوله تعالى: ﴿إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً﴾ وأباه سائر العلماء واستدلَّ بعضهم على حَبْس المِدْيان بقوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً﴾ فإذا كان له ملازمته، ومنعه من التصرف، جاز حبسه.
وقيل معنى: إلا ما دمت عليه قائماً أي: بوجهك، فيهابك، ويستحيي منك، فإن الحياء في العينين ألا ترى قول ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: لا تطلبوا من الأعمى حاجة فإن الحياء في العينين وإذا طلبتَ من أخيك حاجة فانظر غليه بوجهك، حتى يستحيي فيقضيها.
الثاني: المجاز.
قال ابن عباس: المرادَ من هذا القيام، الإلحاح، والخصومة، والتقاضي، والمطالبة، قال ابن قُتَيْبَة: أصله أن المطالبَ للشيء يقوم فيه، والتارك له يَبُْد عنه، بدليل قوله تعالى: ﴿مِّنْ أَهْلِ الكتاب أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ﴾ [آل عمران: ١١٣] أي: عاملة بأمر الله، غير تاركة.
ثم قيل لكل مَنْ واظب على مطالبة أمر: قام به - وإن لم يكن ثَمَّ قيام - وقال: أبو علي الفارسي: القيام - في اللغة - بمعنى الدوام والثبات، كما ذكرناه في قوله تعالى: ﴿الذين يُقِيمُونَ الصلاة﴾ [النمل: ٣] ومنه قوله: ﴿دِينًا قَيِّمًا﴾ [الأنعام: ١٦١]، أي: دائماً ثابتاً لا ينسخ فمعنى الآية: دائماً، ثابتاً في مطالبتك.
فصل
دلَّت الآية على انقسام أهل الكتاب إلى قسمين: أهل أمانة، وأهل خيانة.
فقيل: اهل الأمانة هم الذين أسلموا، وأهل الخيانة: هم الذين لم يُسْلِموا.
وقيل: أهل الأمانة هم النصارى وأهل الخيانة: هم اليهود.
وروى الضحاك عن ابن عباس - في هذه الآية ﴿وَمِنْ أَهْلِ الكتاب مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾ يعني عبد الله بن سلام، [أودعه رجل ألفاً ومائتي أوقية من ذهب، فأداه. ﴿وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾ يعني: فنحاص بن عازوراء]، استودعه رجل من قريش ديناراً، فخانه.