وقيل: ﴿تُحِبُّونَهُمْ﴾ بسبب إظهارهم لكم الإسلام ﴿وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ﴾ بسبب أن الكفر مستغرق في قلوبهم.
وقال أبُو العَالِيَةِ، ومُقَاتِلٌ: المحبة - هاهنا - بمعنى: المصافاة، أي: أنتم - أيها المؤمنون - تصافونهم، ولا يصافونكم؛ لنفاقهم.
وقال الأصمّ: ﴿تُحِبُّونَهُمْ﴾ بمعنى: أنكم لا تريدون إلقاءهم في الآفات، والمحن، ﴿وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ﴾ بمعنى: أنهم يريدون إلقاءكم في الآفات والمِحَن، ويتربصون بكم الدوائر.
وقيل: ﴿تُحِبُّونَهُمْ﴾ بسبب أنهم يُظهرون لكم محبة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهم يبغضون الرسول، ومحب المبغوض مبغوض.
وقيل: ﴿تُحِبُّونَهُمْ﴾ أي: تخالطونهم، وتُفشون إليهم أسرارَكم في أمور دينكم ﴿وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ﴾ أي: لا يفعلون ذلك بكم.
قوله: ﴿وَتُؤْمِنُونَ بالكتاب كُلِّهِ﴾ يجوز أن تكون الألف واللام - في الكتاب - للجنس، والمعنى: بالكتب كلها، فاكتفى بالواحد.
وقيل: أفرد الكتاب؛ لأنه مصدر، فيجوز أن يُسَمَّى به الجمع.
وقيل: إن المصدر لا يُجْمَع إلا على التأويل، فلهذا لم يَقُل: الكتب - بدلاً من الكتاب -، وإن كان لو قاله لجاز، توسعاً.
ويجوز أن يكون للعهد، والمراد به: كتاب مخصوص.
وهنا جملة محذوفة، يدل عليها السياق، والتقدير: ﴿وَتُؤْمِنُونَ بالكتاب كُلِّهِ﴾، وهم لا يؤمنون بكتابكم، وحَسُنَ العطفُ، لما تقدم من أن ذكر أحد الضدين يُغْني عن ذِكْر الآخر، وتقدير الكلام: أنكم تؤمنون بكتبهم كلها، وهم - ممع ذلك - يبغضونكم، فما بالكم - مع ذلك - تحبونهم، وهم لا يؤمنون بشيء من كتابكم؟.
وفيه تنبيخ شديد بأنهم - في باطلهم - أصلب منكم في حقكم.
قوله: ﴿وَإِذَا لَقُوكُمْ قالوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأنامل مِنَ الغيظ﴾ ومعناه: إذا خَلاَ بعضهم ببعض أظهروا شدة العداوة، وشدة الغيظ على المؤمنين، حتى تبلغ الشدة إلى عَضِّ الأنامل، كما يفعل الإنسان - إذا اشتد غيظه، وعَظُم حُزنه - على فَوْت مطلوبه، ولمَّا كَثُر هذا الفعلُ من الغضبان صار ذلك كناية عن الغضب، وإن لم يكن هناك عض.
قوله: ﴿عَلَيْكُمْ﴾ متعلق ب «عَضُّوا»، وكذلك ﴿مِنَ الغيظ﴾ و «مِنْ» فيه لابتداء الغاية، ويجوز أن يكون بمعنى اللام، فيفيد العِلِّيَّةَ - اي: من أجل الغيظ -.
وجوز أبو البقاء - في «عَلَيْكُمْ»، وفي ﴿مِنَ الغيظ﴾ - أن يكونا حالين، فقال: «ويجوز أن يكون حالاً، أي: حنقين عليكم من الغيظ. ﴿ومِنَ الغيظ﴾ متعلق ب» عَضُّوا «


الصفحة التالية
Icon