جعل الواو في ﴿وَتُؤْمِنُونَ﴾ للحال، وانتصابها من ﴿وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ﴾ والمضارع المثبت - إذا وقع حالاً - لا تدخل عليه واو الحال، تقول: جاء زيد يضحك، ولا يجوز: ويضحك، فأما قولهم: قمت وأصُكُّ عينه، ففي غاية الشذوذ، وقد أوِّل على إضمار مبتدأ، أي: وأنا أصُكّ عينه، فتصير الجملة اسمية، ويحتمل هذا التأويل هنا: ولا يحبونكم وأنتم تؤمنون بالكتاب كله، لكنَّ الأولَى ما ذكرنا من كونها للعطف».
يعني: فإنه لا يُحْوِج إلى حَذْف، بخلاف تقديره مبتدأ، فإنه على خلاف الأصل.
قوله: ﴿قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ﴾ يجوز أن تكون الباء للحال، أي: موتوا ملتبسين بغيظكم لا يزايلكم، وهو كناية عن كثرة افسلام وفُشوِّه؛ لأنه كلما ازداد الإيمان ازداد غيظهم، ويجوز أن تكون للسببية أي: بسبب غَيْظكم، وليس بالقويّ.
وقوله: ﴿مُوتُواْ﴾ صورته أمر ومعناه الدعاء، فيكون دُعَاءً عليهم بأن يزداد غَيْظُهم، حتى يهلكوا به، والمراد من ازدياد الغيظ: ازدياد ما يوجب لهم ذلك الغيظ من قوة الإسلام، وعِزِّ أهْلِه، وما لهم في ذلك من الذُّلِّ، والخِزْي، والعار.
وقيل: معناه الخبر، أي: أن الأمر كذلك.
وقد قال بعضهم: إنه لا يجوز أن يكون بمعنى: الدعاء؛ لأنه لو كان أمره بأن يدعو عليهم بذلك لماتوا جميعاً على هذه الصفة؛ فإنَّ دعوته لا ترد، وقد آمن منهم كثيرون بعد هذه الآيةِ، [وليس بخبر] ؛ لأنه لو كان خبراً لوقع على حكم ما أخبره، ولم يؤمن أحدٌ بعدُ، وإذا انتفى هذان المعنيان فلم يَبْقَ إلا أن يكون معناه التوبيخ، والتهديد، كقوله تعالى: ﴿اعملوا مَا شِئْتُمْ﴾ [فصلت: ٤٠] و «إذَا لَمْ تَسءتَحْي فاصْنَعْ مَا شِئْتَ».
وهذا - الذي قاله - ليس بشيء؛ لأن مَنْ آمن منهم لم يدخل تحت الدعاء - إن قُصِد به الدعاء - ولا تحت الخبر، إن قُصِد به الإخبار.
قوله: ﴿إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾ يحتمل أن تكون هذه الجملة مستأنفة، أخبر - تعالى - بذلك؛ لأنهم كانوا يُخفون غيظَهم ما أمكنهم، فذكر ذلك لهم على سبيل الوعيد، ويحتمل أن يكون من جملة المقول، أي: قُلْ لهم: كذا، وكذا، فيكون في محل نصب بالقول، ومعنى قوله: ﴿بِذَاتِ﴾ أي: باملُضْمَرات، ذوات الصدور، ف «ذَات» - هنا - تأنيث «ذي» بمعنى صاحب؛ فحُذِف الموصوف، وأقيمت صفته مقامه، أي: عَلِيمٌ