وقد حكى بعضُ النحاةِ - عن الكوفيين - أنهم يجيزون تقديم المعمول على حرف العطف، فعلى هذا يجوز هذا القول، وفي كلام الزمخشريِّ سهو؛ فإنه قال: ويجوز أن ينتصب محلُّ الكاف ب «لَنْ تُغْنِيَ» أو ب «خَالِدُونَ»، [أي: لم تُغنِ عنهم مثل ما لم تغن عن أولئك، أو هم فيها خالدون كما يُخَلَّدُون].
وليس في لفظ الآية الكريمة ﴿خَالِدُونَ﴾، إنما نظم الآية ﴿وأولئك هُمْ وَقُودُ النار﴾، ويبعد أن يقال: أراد «خَالِدُون» مُقَدَّراً، يدل عليه السياق، اللهم إلا إن فسرنا الدأبَ باللُّبْث والدوام وطول البقاء.
وقال القفَّالُ: «يحتمل أن تكون الآية جامعة للعادة المضافة إلى الله تعالى، والعادة المضافة إلى الكفار، كأنه قيل: إن عادة هؤلاء الكفار في إيذاء محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كعادة من قبلهم في إيذاء رُسُلِهِم وعادتنا أيضاً في إهلاك الكفارِ، كحعادتنا في إهلاك أولئك الكفار المتقدمين، والمقصود - على جميع التقديراتِ - نصر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على إيذاء الكفار، وبشارته بأن الله سينتقم منهم».
الدأب: العادة، يقال: دأب، يَدْأبُ، اي: واظب، ولازم، ومنه ﴿تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً﴾ [يوسف: ٤٧]، أي: مداومة.
وقال امرؤ القيس: [الطويل]
١٣٤٧ -... - كَدَأبكَ مِنْ أمِّ الْحُوَيْرِثِ قَبْلَهَا
وَجَارَتِهَا أمِّ الرَّبَابِ بِمَاسَلِ... وقال زُهير: [الطويل]
١٣٤٨ - لأرْتَحِلَنّ بِالْفَجْرِ ثُمَّ لأدْأبَنّْ... إلَى اللَّيْلِ إلاَّ أنْ يُعَرِّجَنِي طِفْلُ
وقال الواحديُّ: «الدأب: الاجتهاد والتعب، يقال: صار فلان يومه كله يَدْأب فيه، فهو دائب، أي: اجتهج في سَيْرِه، هذا أصله في اللغة، ثم [يصير] الدأب عبارة عن الحال والشأن والأمر والعادة؛ لاشتمال العمل والجهد على هذا كله».
وكذا قال الزمخشريُّ، قال: «مصدر دأب في العمل إذا كَدَح فيه، فوُضِع مَوْضِعَ ما عليه الإنسان من شأنه وحاله».