قوله: ﴿فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ﴾ الظاهر أن الرؤية بصرية، فيكتفى بمفعول واحد.
وجوَّزوا أن تكون علمية، فتحتاج إلى مفعولٍ ثانٍ، هو محذوف، أي: فقد علمتموه حاضراً - أي: الموت -.
إلا أن حَذْف أحد المفعولين في باب «ظن» ليس بالسَّهْل، حتى إن بعضهم يَخُصُّه بالضرورة، كقول عنترة: [الكامل]

١٦٤١ - وَلَقَدْ نَزَلْتِ، فَلاَ تَظُنِّي غَيْرَهُ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ الْمُحَبِّ الْمُكْرَمِ
أي: فلا تظني غيره واقعاً مني.
قوله: ﴿وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ﴾ يجوز أن تكون جملة حالية - وهي حال مؤكِّدة - رفعت ما تحتمله الرؤية من المجاز، أو الاشتراك بينها وبين رؤية القلب، ويجوز أن تكون مستأنفة، بمعنى: وأنتم تنظرون في فعلكم - الآن - بعد انقضاء الحرب، هل وَفَّيْتُمْ، أو خالفتم؟
وقال ابنُ الأنْبَارِي: «رَأيْتُمُوهُ»، أي: قابلتموه ﴿وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ﴾ بعيونكم، ولهذه العلة ذكر النظر بعد الرؤية حيث اختلف معناهما؛ لأن الأول بمعنى: المقابلة والمواجهة، والثاني بمعنى: رؤية العين.
وهذا - أعني: إطلاق الرؤية على المقابلة والمواجهة - غير معروف عند أهل اللسان، وعلى تقدير صحته، فتكون الجملة من قوله: ﴿وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ﴾ جملة حالية مبيِّنة - لا مؤكِّدة - لأنها أفادت معنًى زائداً على معنى عاملها.
ويجوز أن يقدَّر لِ «تَنْظُرُونَ» مفعولاً، ويجوز أن لا يُقَدَّر؛ إذ المعنى: وأنتم من أهل النظر.

فصل


قال المفسرون: إنَّ قوماً من المسلمين تَمَنَّوا يوماً كيوم بدر؛ ليقاتلوا، وليستشهدوا، فأراهم الله يومَ أُحُد.
وقوله: ﴿تَمَنَّوْنَ الموت﴾ أي: سبب الموت - وهو الجهاد - ﴿مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ﴾ يعني: أسبابه، وذكر النظر بعد الرؤية؛ تأكيداً - كما قدمناه -.
وقيل: لأن الرؤية قد تكون بمعنى: العلم، فقال: ﴿وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ﴾ ليعلم أن المراد بالرؤية: هي البصرية.
وقيل: وأنتم تنظرون إلى محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.


الصفحة التالية
Icon