قال شهاب الدين: «وهذا من هذه الحيثية - صحيح، والفرق لائح، إلا أن لفظ الفرّاء فيه أنه أجرى فيه الوصل مُجْرى الوقف من حيث بقيت الهاء المنقلبة عن التاء وصلاً لا وقفاً واعتد بذلك، ونقل إليها حركة الهمزة، وإن كانت همزة قطع».
وقد اختار الزمخشري مذهب الفراءِ، وسأل وأجاب فقال: «ميم» حقها أن يُوقَفَ عليها كما يوقف على الف ولام، وأن يُبْتَدَأ بما بعدها، كما تقول: واحد. اثنان، وهي قراءة عاصم، وأما فتحتها فهي حركة الهمزة أُلْقِيت عليها حين أسْقِطت للتخفيف.
فإن قلت: كيف جاز إلقاء حركتها عليها، وهي همزة وصل لا تثبت في درْج الكلامِ، فلا تثبت حركتها؛ لأن ثبات حركتها كثباتها؟
قلتُ: هذا ليس بدرْج، لأن «ميم» في حكم الوقف والسكون، والهمزة في حكم الثابت، وإنما حُذفت تخفيفاً وألقِيَت حركتها على الساكن قبلها؛ ليدل عليها، ونظيره: وَاحِدِ اثْنَانِ بإلقائهم حركة الهمزة على الدال.
قال أبو حيّان: «وجوابه ليس بشيء؛ لأنه ادَّعَى أن الميم - حين حُرِّكَتْ - موقوف عليها، وأن ذلك ليس بدرْج، بل هو وقف، وهذا خلاف ما أجمعت عليه العرب، والنحاة من أنه لا يُوقف على متحرك ألبتة سواء ك انت حركته إعرابية، أم بنائية، أن نقلية، أم لالتقاء الساكنين، أم للإتباع، أم للحكاية، فلا يجوز في ﴿قَدْ أَفْلَحَ﴾ إذا حذفت الهمزة، ونقلت حركتها إلى دال» قَدْ «أن تقف على دال» قد «بالفتحة، بل تسكنها - قولاً واحداً.
وأما قوله: ونظير ذلك وَاحِدِ اثْنَانِ - بإلقاء حركة الهمزة على الدال - فإن سيبويه ذكر أنهم يُشِمُّون آخر» واحد «لتمكنه، ولم يَحْكِ الكسرَ لغةً، فإن صَحَّ الكسر فليس ولكنه موصول بقولهم: اثنان، فالتقى ساكنان دال» واحد «وثاء» اثنين «، فكسرت الدال؛ لالتقاء الساكنين، وحُذِفَتْ همزة الوصل؛ لأنها لا تثبت ي الوصل».
قال شهاب الدينِ: «ومتى ادَّعى الزمخشري أنه يوقف على» مِيمْ «من» الم «- وهي متحركة - حتى يُلْزِمَهُ بمخالفة إجماع العرب والنحاة؟ إنما ادعى أن هذا في نية الموقوف عليه قبل تحريكه بحركة النقل، لا أنه نُقِل إليه، ثم وقف عليه، هذا لم يقله ألبتة، ولم يَخْطُرْ له».