وقال غيره: أخزاه اللهُ: أي: أهانه.
وقال شمر: أخزاه اللهُ: أي: فضحه، وفي القرآن: ﴿وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي﴾ [هود: ٧٨].
وقال المفضَّلُ: أخزاه الله: أي: أهلكه.
وقال ابنُ الأنباري: الخِزْي - في اللغة - الهلاك بتلف أو انقطاع حجة، أو وقوع في بلاء، وكل هذه الوجوه متقاربة.
وقال الزمخشريُّ: «فَقَدْ أخْزَيْتَهُ» أي: أبلغت في إخزائه.

فصل


قالت المعتزلةُ: هذه الآيةُ دالةٌ على أن صاحب الكبيرةِ - من أهل الصَّلاةِ - ليس بمؤمن؛ لأن صاحب الكبيرة إذا دخل النار فقد أخزاهُ اللهُ؛ لدلالة هذه الآية، والمؤمن لا يخزى؛ لقوله تعالى: ﴿يَوْمَ لاَ يُخْزِى الله النبي والذين آمَنُواْ مَعَهُ﴾ [التحريم: ٨] فوجب من [مجموع هاتين] الآيتين ألا يكن صاحب الكبيرةِ مؤمناً.
والجواب أن قوله: ﴿إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ لا يقتضي نفي الإخزاء مطلقاً، وإنما يقتضي ألا يَحْصُلَ الإخزاءُ في وقتٍ آخَرَ.
وأجاب الواحديُّ في «البسيط» بثلاثة أجوبةٍ أُخَرَ.
أحدها: أنه نقل عن سعيد بن المُسَيَّبِ، والثوري، وقتادة، أن قوله: «فَقَدْ أخْزَيْتَهُ» مخصوصٌ بمن يدخل النّارَ للخلودِ. وهذا الجوابُ ضعيفٌ؛ لأن مذهبَ المعتزلةِ أنّ كلَّ فاسقٍ دخل النَّارَ، فإنَّما يدخلها للخلودِ فيها.
وثانيها: أن المُدْخَل في النار مخزًى في حال دخوله، وإن كان عاقبته أن يخرج منها. وهذا - أيضاً - ضعيفٌ؛ لأنَّ نفي الخِزْي عن المؤمنين على الإطلاق، وهذه الآيةُ دلت على حصول الخِزْي لكل من دخل النّارَ، فحصل بحُكم هاتين الآيتين - بين كونه مؤمناً، وبين كونه كافراً - من يدخل النار - منافاةٌ.
وثالثها: أنّ الإخزاءَ يحتمل وَجْهَيْن «:
أحدهما: الإهانة والإهلاك. وثانيهما: التخجيل، يقال: خَزِيَ خِزَايةً: إذا استحيا، وأخزاهُ غيرُه: إذا عمل به عملاً يُخْجله ويستحيي منه.
قال ابنُ الخطيبِ:»
واعلم أنّ حاصلَ هذا الجوابِ: أنَّ لفظَ الإخزاءِ مشتركٌ بين التخجيلِ وبين الإهلاكِ، واللفظُ لا يمكن حَمْله في طرفي النفي والإثبات على


الصفحة التالية
Icon