أي: أيقِنُوا، وقد تَقَدَّمَ تَحْقِيْقُ ذلك والردُّ عليه عند قوله تعالى: ﴿إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله﴾ [البقرة: ٢٢٩].
قوله: ﴿أَلاَّ تُقْسِطُواْ﴾ إنْ قَدَّرَتْ أنها على حذف حرف الجر، أي: «مِنْ أن لا» ففيها الخلاف المشهور أي: في محل نصب [أو جر، وإنْ لم تقدّر ذلك بل وصل الفعل إليها بنفسه، كأنك قلت: «فَإنْ حَذَرْتم» فهي في محل نصب] فقط كما تَقَدَّمَ في البقرة.
وقرا الجمهور: «تقسطوا» بضم التاء، من أقْسَط: إذا عدل، فتكون لا على هذه القراءة نافيةُ، والتقديرُ: وإنْ خِفْتُمْ عدم الإقساط أي: العدل.
وقرأ إبراهيم النخعي: ويحيى بن وثَّاب بفتحها من «قسط» وفيها تأويلان:
أحدهما: أن «قَسَطَ» بمعنى «جار»، وهذا هو المشهور في اللغة، أعني أن الرباعي بمعنى عَدَلَ، والثلاثي بمعنى جار، وكأنَّ الهمزة فيه للسَّلْبِ بمعنى «أقسط» أي: أزال القسط وهو الجور، و «لا» على هذا القول زائدة ليس إلا، وإلا يفسد المعنى كهي في قوله: ﴿لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب﴾ [الحديد: ٢٩].
والثاني: حكي الزجاج أن «قسط» الثلاثي يستعمل استعمال «أقسط» الرباعي، فعلى هذا تكون «لا» غير زائدة، كهي في القراءة الشهيرة؛ إلاَّ أنَّ التَّفْرِقَةَ هي المعروفةُ لغة.
قالوا: قاسطته إذَا غَلَبْتَهُ على قِسْطِهِ، فبنوا «قسط» على بناء ظلم وجار وغلب.
وقال الراغب: «القِسْط» أن يأخذ قِسْطَ غيره، وذلك جَوْرٌ، وأَقْسَطَ غيره، والإقسَاطِ أن يُعْطِيَ قِسْطَ غَيْرِهِ، وذلك إنصاف، ولذلك يقال: قَسَطَ الرَّجُلُ إذَا جَار، وأَقْسَطَ إذَا عدَلَ، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً﴾ [الجن: ١٥].
[وقال تعالى: ﴿وأقسطوا إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين﴾ [الحجرات: ٩].
وَحُكِيَ أنَّ الحَجَّاجَ لما أحضر سعيد بن جبير، قال له: ما تقول فيَّ؟ قال: «قَاسِطٌ عادِلٌ» فأعجب الحاضرون، فقال لهم الحجاج: ويلكم لم تفهموا عنه إنّه جعلني جائراً كافراً، ألم تسمعوا قوله تعالى:
﴿وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً﴾ [الجن: ١٥].
المادة من قوله: ﴿قَآئِمَاً بالقسط﴾ [آل عمران: ١٨].
قوله: ﴿مَا طَابَ﴾ في «ما» هذه أوجه:
أحدها: أنها بمعنى الذي وذلك عند من يرى أن «ما» تكون للعاقل، وهي مسألة


الصفحة التالية
Icon