والثاني: أنها تبعيضية، أي: بعض النساء، وتتعلق بمحذوف على أنها حال من «ما طاب» وإن قلنا: إنها مصدرية ظرفية محضة، ولم يُوقع المصدر موقع اسم فاعل كما قال أبو حيان كان مفعول «فانكحوا» قوله «من النساء» نحو قولك: أكلت من الرغيفِ، وشربتُ من العسل أي: شيئاً من الرغيف وشيئاً من العسل.
فإن قيل: لِمَ لا يجعل على هذا «مثنى» وما بعدها هو مفعول «فانكحوا» أي: فانكحوا هذا العدد؟ فالجواب أن هذه الألفاظ المعدولة لا تلي العوامل.
وقرأ ابن أبي عبلة «مَنْ طَابَ» وهو يرجحُ كون «ما» بمعنى الذي للعاقل، وفي مصحف أبي بن كعب بالياء، وهذا ليس بمبني للمفعول؛ لأنه قاصر، وإنما كُتِبَ كذلك دلالة على الإمالة وهي قراءة حمزة.

فصل


اختلف المفسرون في كيفية تعلق هذا الجزاء بهذا الشرط فروى عروة قال: قلت لعائشة: ما معنى قول الله تعالى ﴿فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء﴾ ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي اليتامى﴾.
فقالت: يا ابن أخي هي اليتيمة تكون في حجر وليِّها فَيرغَبُ في مالها وجمالها، إلاَّ أنَّهُ يريد أن ينكحها بأدنى من صداقها، ثم إذا تزوج بها عاملها معاملة رديئة لعلمه بأنه ليس لها من يَذُبُّ عنها ويدفع شر ذلك الزوج عنها، فقال تعالى: ﴿وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى﴾ فانكحوا من غيرهن ما طاب لكم من النساء، قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - ثم إن الناس استفتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعد هذه الآية فيهن، فانزل اللهُ تعالى: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النسآء قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يتلى عَلَيْكُمْ فِي الكتاب فِي يَتَامَى النسآء [اللاتي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧] فالمراد منه هذه الآية، وهن قوله ﴿وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى﴾.
وقيل: لَمَّا نَزَلَتْ هذه الآية المتقدمة في اليتامى وأكل أموالهم خاف الأولياء من


الصفحة التالية
Icon