ونقل عن ابن عباس أنه قال: «كان الأولياء يستغنمون أكل مال اليتيم، لئلا يكبر فينزع المال منهم».
والثَّاني: أنَّهما مصدران في موضع الحالِ أي: مُسْرِفينَ وَمُبادِرِينَ.
وبداراً مصدرُ بادرَ والمفاعلة هنا يجوز أن تكون من اثنين على بابها، بمعنى ان الوليَّ يبادرُ ليتيم إلى أخْذِ مالهِ، واليتيمُ يُبَادِرُ إلى الكبر، ويجوز أن يكون من واحد بمعنى: أنَّ فاعل بمعنى فعل نحو: سافر وطارق.
قوله: «أن تكبروا». فيه وجهان:
أحدهما: أنه مفعول بالمصدر أي: وبداراً كبرهم، كقوله: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً﴾ [البلد: ١٤، ١٥] وفي إعمال المصدر المُنَوِّنِ الخلاف المشهور.
والثَّاني: أنَّه مفعول من أجله على حذف أي: مخافة أن يكبروا، وعلى هذا فمفعولُ «بِدَاراً» محذوف، وهذه الجملة النَّهْييَّةُ فيها وجهان:
أصحهما: أنها استئنافية، وليست معطوفةً على ما قبلها.
والثَّاني: أنَّها عطف على ما قبلها، وهو جوابُ الشرط ب «إن» أي: فادفعوا ولا تأكلوها، وهذا فاسدٌ؛ لأن الشّرط وجوابه، مترتِّبان على بلوغ النِّكاح وهو معارضٌ لقوله: ﴿وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ﴾ فَيَلزَمُ منه سَبْقُه على ما ترتَّب عَلَيْهِ، وذلك ممتنع.
والمعنى: ولا تأكلوها يا معشرَ الأولياءِ «إسْرافاً» أي: بغير حقٍّ، «وبداراً» أي: ومبادرة، ثم بَيَّنَ مَا يَحِلُّ لهم من مالهم فقال: «وَمَنْ كَانَ غَنِياً فَلْيَسْتَعْفِفْ» أي: فليمتنع من مال اليتيم فلا يرزؤه قليلاً ولا كثيراً، والعفة الامتناع مما لا يحل.
قال الواحديُّ: استعفف عن الشيءِ وعَفَّ: إذا امتنعَ منه وتَرَكَهُ.
قال الزمخشريُّ: «استعفف أبلغ مِنْ عَفٍّ كأنَّه طالب زيادة العِفَّةِ».
قوله: ﴿وَمَن كَانَ فَقِيراً﴾.
محتاجاً إلى مال اليتيم، وهو يحفظه ويتعمَّده ﴿فَلْيَأْكُلْ بالمعروف﴾.
رُوِيَ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه أن رجلاً أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال: «إنِّي فَقِيرٌ وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ وَلِي يَتيمٌ، فقال: كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمكَ عَيْرَ مُسْرِفٍ وَلا مُبَذِّرٍ وَلاَ مُتَأثِّل».


الصفحة التالية
Icon