وقال ابن عطية تقديره: لو تركوا لخَافُوا، ويجوزُ حذف اللام من جواب «لو» ووجه التمسك بهذه العبارة أنَّهُ جعل اللامَ مقدَّرَةً في جوابها، ولو كانت «لَوْ» يمتنع بها الشَّيء لامتناع غيره، و «خَافُوا» جوابُ «لَوْ».
وإلى الاحتمال الثَّانِي ذهب أبو البقاءِ وابنُ مَالِكٍ: «لو» هنا شرطية بمعنى «إنْ» فتقلب الماضي إلى معنى الاستقبال، والتَّقدير: وليخش الذين إنْ تركوا ولو وقع بعد «لو» هذه مضارع كان مستقبلاً كما يكونُ بَعْدَ «إنْ» وأنشد: [الكامل]

١٧٦١ - لاَ يُلْفِكَ الرَّاجُوكَ إلاَّ مُظْهِراً خُلُقَ الكِرَام وَلَوْ تَكُونُ عَدِيماً
أي: وإنْ تكن عديماً، ومثلُ هذا البيت قول الآخر: [البسيط]
١٧٦٢ - قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا شَدُّوا مَآزِرَهُمْ دُونَ النَّسَاءِ وَلَوْ بَاتَتْ بأطْهَارِ
والَّذي ينبغي أن تكون على بابها كونها تعليقاً في الماضي، وَإِنَّمَا حمل ابْنُ مالك، وَأبَا البقاء على جَعْلِها بمعنى «إنْ» توهُّمُ أنَّهُ لَمَّا أمر بالخشيةِ - والأمرُ مستقبل ومتعلِّقُ الأمر موصول لم يصحّ أن تكون الصِّلةُ ماضية على تقدير دلالته على العدم الذي ينافي امتثالَ الأمر، وحَسَّنَ مكانَ «لو» لفظ «إنْ» ولأجل هذا التوهُّم لم يُدْخل الزمخشري «لَوْ» على فعل مستقبل، بل أتى بفعل ماضٍ مسندٍ للموصول حالةَ الأمر فقال: «وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا».
قال أبُو حَيَّان: «وهو الَّذي تَوهَّموه لا يلزم، إلاَّ كانت الصِّلةُ ماضيةً في المعنى واقعةً بالفعل، إذا معنى» لو تركوا من خلفهم «أي: ماتوا فتركوا من خلفهم، فلو كان كذلك للزم التَّأويلُ في» لَوْ «أن تكون بمعنى» إنْ «إذ لا يجامع الأمر بإيقاع فعل مَنْ مات بالفعل، فَإذَا كَانَ مَاضياً على تقدير فَيَصِحُّ أن يقع صِلَةً وأن يكون العاملُ في الموصول الفعل المستقبل نحو قولك: ليزرْنَا الذي لو مات أمسِ لبكيناه». انتهى.
وَأمَّا البيتان المتقدّمان فلا يلزمُ من صِحَّةِ جَعْلِهَا فيهما بمعنى «إنْ» أنْ تكن في الآية كذلك؛ لأنَّا في البيتين نضطر إلى ذلك، أمَّا البيتُ الأوَّلُ فلأن جواب «لو» محذوف


الصفحة التالية
Icon