كثيرة]، فلمَّا لم يكن المراد إن تجتنبوا الكُفْرَ بأنواعِهِ، يغفر لكم ما وَرَاءَهُ، وهذا احْتِمَالٌ ظاهرٌ مُطابقٌ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ﴾ [النساء: ٤٨]، سقط استدلالهم بذلك.
فصل
قال القرطبِيُّ: قال الأصولِيُّونَ: لا يَجِبُ القَطْعُ بِتكْفيرِ الصَّغائِرِ باجتناب الكبائر، وإنَّمَا محمل ذلك على غلبَةٍ الظَّنِّ، وقوَّةِ الرَّجَاءِ، والمشيئة ثابتةٌ، ودلَّ على ذلك: أنا لو قَطَعْنَا لمجتنب الكبائِرِ، وممتثلِ الفرائِضِ، تكفيرَ صَغَائِرهِ قطعاً؛ لكانت لَهُ في حُكْمِ المُبَاحِ الذي يقطع بأن أتباعه عليه، وذلك نَقْضٌ لعُرَى الشَّريعة، ولا صغيرةَ عِنْدَنَا.
قال القُشَيْرِيُّ: والصَّحيحُ أنها كَبَائِر ولكن بعضُهَا أعْظُم وقعاً من بعضٍ، والحكمة في عدم التمييز أن يجتنب العبد جميع المعاصي.
قال القرطبي: وأيضاً مَنْ نظر إلى بعض المُخالفَةِ كما قالَ بعضهُمُ: لا تنظر إلى صغر الذَّنْبِ، ولكن انظُرْ مَنْ عَصيتَ [فإن كان الأمْرُ كذلِكَ] كانت الذنوب بهذه النِّسْبَةِ كُلِّها كبائر، وعلى هذا النَّحْوِ يُخَرَّجُ كلامُ القُشَيْريّ، وأبي إسْحَاقَ الإسفراييني والقاضي أبي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّب قالوا: وإنَّما يقالُ لبعضها صغيرة بالإضَافَةِ إلى ما هو أكْبرُ منها كما يقالُ: الزنا صغيرة بإضافته إلى الكفر، والقُبْلَةُ المحرَّمَةُ صغيرَةٌ بالنِّسْبَة إلى الزِّنَا، ولا ذنبَ عِنْدَنَا يُغْفَرُ باجْتِنَابِ ذنبٍ آخر، بل كُلُّ ذنْبٍ كبيرةٌ ومرتكبُهُ في المشيئةِ، غير الكُفْرِ لقوله تعالى ﴿إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ﴾ [النساء: ٤٨] قالوا: هذه الآية يردُّ إليها جميع الآيات المُطلقةُ، يزيدُ عليها قوله عليه السلام: «من اقْتطعَ حَقَّ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ بيمينه فقدْ أوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وحرَّمَ عَلَيْهِ الجَنَّةَ فقال رَجُلٌ: يا رسُولَ الله، وإنْ كَانَ شيئاً يَسِيراً فقَالَ: وَإنْ كَانَ قَضِيباً مِنَ أراك»
، فقد جاء الوَعِيدُ الشَّديدُ على اليَسيرِ، كما جَاءَ على الكثير.
وقال عبدُ اللَّهِ بْنُ [مسعود: «ما نَهَى اللَّه عنْهُ في تلكَ السُّورَةِ إلى قوله: ﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ فهو كبيرة.
وقال [علي] بن] أبي طلحة: الكبيرة: كلُّ ذنب ختمه اللَّهُ بِنَارٍ، أو غضَبٍ، أو