وقال أبو البقاء: وقيل: أرادُوا غير مَسْمُوع مِنْكَ، وهذا القَوْل نقله ابن عطيّة عن الطَّبَرِي، وقال: إنه حِكَايةٌ عن الحَسَن ومُجَاهِد.
وقال ابن عطيَّة: ولا يُسَاعِده التَّصْريف، يَعْني: أنّ العَرَب لا تقُولُ أسْمَعْتُكَ بمعنى قَبِلْتُ منك، [وإنما تقول أسْمَعْتُه بمعنى: سَبَبْتُه، وسمعت منه بمعنى قَبِلْتُ ويعبرون بالسماع لا بالإسماع عن القبول مجازاً، وتقدم القولُ في ﴿رَاعِنَا﴾ [البقرة: ١٠٤]، وفيها وجوه:
أحدُها: أن هذه كلمةٌ كانت تجري بينهم على جهة الهزء والسخريةِ، وقيل معناها: أرِعْنَا سمْعَك، أيْ: اصرف سمْعَك إلى كلامنَا، وقيل: كانوا يقولُونَ: راعِناً، ويُوهِمُونَهُ في ظاهر الأمْر أنهم يُرِيدُونَ رَاعِنَا سَمْعَك، ومرادُهم التشبيهُ بالرعُونةِ في لُغَتِهم.
وقيل: كانوا يَلْوُون ألْسِنَتهم، حتى يصيرَ قولُهم: ﴿وَرَاعِنَا﴾ : رَاعِينَا، ويُريدُون: أنَّك كُنْتَ تَرْعَى أغْنَاماً لَنَا.
قال الفراءُ: كانوا يَقُولُونَ: رَاعِنَا [ويُهِمُونَهُ في ظاهر الأمْر أنهم يُرِيدُونَ سَمْعَك، ومرادُهم التشبيهُ بالرعُونة] ويريدون الشَّتْمَ، فذاك هو اللَّيُّ، وكذلك قولهم: ﴿غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ أرَادوا به، لا سَمِعْتَ فهذا هو اللَّيُّ.
فإنْ قيلَ: كَيْفَ جاءُوا بقولٍ يحتملُ الوجهيْنِ بعد تَصْريحهم بقولهم: سَمِعْنَا وعَصَيْنَا؟ فالجوابُ: أنه قال بعضُ المفسَّرين: إنهم كانوا يقولون «وعصينا» سراً في نفوسهم. وقيل: كان بعضُهم يقولُه سِرًّا، وبعضهم يقول جَهْراً.
قوله «لَيًّا بألسنتهم وطعناً» فيهما وجهانِ:
أحدهما: أنَّهُمَا مفعول مِنْ أجْلهِ ناصبُهما «ويقولونَ».
والثَّاني: أنَّهُمَا مَصْدَرَانِ في موضع الحَالِ، أيْ: لاوين وطاعنينَ، وأصْلُ لَيًّا [ «لَوْيٌ] » من لَوَى يلْوي، فأدغِمَتِ الواوُ في الياءِ بعد قلبها ياءً، فهو مِثْلُ «طَيٍّ» مصدر طَوَى، يَطْوِي.
و «بألسنتهم»، و «في الدين» متعلّقان بالمَصْدَرَيْنِ قبلهما، وتقدَّم في البَقَرة على قَوْله: «ولو أنهم قالوا».
قوله: «لكان خيراً لهم» فيه قَوْلاَن: