قال القاضي: والقربُ أن ذلك الذنب كان من الصغائر، لوجهين:
أحدهما: أنه لال يكاد - في الكبائر - يقال: [إنها زَلَّة]، إنما يقال ذلك في الصغائر.
الثاني: ان القوم ظنوا أنَّ الهزيمةَ لما وقعت على المشركين، لم يَبْقَ إلى ثباتهم في ذلك المكانِ حاجة فلا جرم - انقلبوا عنه، وتحوَّلوا لطلب الغنيمة، ومثل هذا لا يبعد أن يكون من باب الصغائر لأن للاجتهاد في مثله مَدْخَلاً.
قال ابنُ الخَطِيبِ: وهذه تكلُّفات لا حاجة إليها، وقد بينَّا كونها من الكبائر، والاجتهاد لا مدخل له مع النص الصريح بلزوم المركز، سواء كانت الغلبة لهم، أو عليهم.
ثم قال: ﴿إِنَّ الله غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ أي ﴿غَفُورٌ﴾ لمن تاب، ﴿حَلِيمٌ﴾ لا يعجل بالعقوبة، وهذا يدل على أن ذلك الذنب كان من الكبائر؛ لأن لو كان من الصغائر لوجب ان يعفو عنه - على قول المعتزلة - ولو كان العفو واجباً لما حَسُنَ التمدُّح به؛ لأن من يظلم إنساناً لا يحسُن ان يتمدّح بأنه عفا عنه، وغفر له.
وجه النظم أن المنافقين كانوا يعيّرون المؤمنين في الجهاد مع الكفار، بقولهم: ﴿لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ﴾ ثم إنه ظهر عند بعض المؤمنين فتورٌ وفشلٌ في الجهاد، حتى وقع يومَ أحُدٍ ما وقع، وعفا اللهُ بفضله عنهم، فنهاهم في هذه الآية عن القول بمثل مقالة المنافقين، لمن يريد الخروج إلى الجهادِ، فقال: لا تقولوا - لمن يريد الخروجَ إلى الجهاد -: لو لم تخرجوا لما متم، وما قُتِلْتُم، فإن الله هو المُحْيي والمميت، فمن قُدِّر له البقاءُ لم يُقْتَل في الجهاد، ومن قُدِّر له الموتُ مات وإن لم يجاهد، وهو المراد بقوله: ﴿والله يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾.
وأيضاً فالذي يُقْتَل في الجهاد، لو لم يخرج إلى الجهاد، لكان يموت لا محالة، فإذا كان لا بد من الموت فلأن يُقْتَلَ في الجهاد - حتى يستوجب الثوابَ العظيمَ - خيرٌ له من أي يموت من غير فائدة، وهو المرادُ بقوله: ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ الله أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ الله وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾.