أنَّه نَسَبَها إلى غَيْرِهم ولم يَنْسِبْهَا إلَيْهِم، فقال» ما أصابك «ولا يقال في الطَّاعَة والمَعْصِيَة: أصَابَنِي، إنَّما يقال: أصَبْتُهَا، ويُقَال في المِحَن: أصَابَنِي؛ بدليل أنه لَمْ يَذْكُر عليه ثَوَاباً ولا عِقَاباً؛ فهو كقوله - تعالى -: ﴿فَإِذَا جَآءَتْهُمُ الحسنة قَالُواْ لَنَا هذه وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ﴾ [الأعراف: ١٣١] ولما ذكر حَسَنَات الكَسْب وسيِّئَاته نسبها إلَيْه، ووعد عليها الثَّوَابَ والعِقَاب؛ فقال ﴿مَن جَآءَ بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بالسيئة فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا﴾ [الأنعام: ١٦٠].
وقيل: مَعْنى الآية:» ما أصابك من حسنة «: من النَّصْر والظَّفَرِ يوم بَدْرٍ،» فمن الله «أي: من فَضْلِ الله، و» ما أصابك من سيئة «: من القَتْلِ والهَزِيمَةِ يوم أحُدٌ،» فمن نفسك «أي: يعني: فبذنوب أصْحَابِك وهو مُخَالفتهم لَكَ.
فإن قيل: كَيْف وَجْه الجَمْع بين قوله:» قل كل من عند الله « [وبين قوله: فمن نفسك».
قيل: قوله: ﴿قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله﴾ أي: الخِصْب والجَدْب، والنَّصْر والهَزِيمَة كلُّها من عِنْد الله، وقوله «فمن نفسك» أي: ما أصابك من سيئة فمن الله بذنب نفسك؛ عقوبة لك كما قال: ﴿وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ﴾ [الشورى: ٣٠] ؛ يدل عليه مَا روى مُجَاهدٌ عن ابن عبَّاسٍ؛ أنه قرأ: «وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك».
ثم قال [- تعالى -] :«وأرسلناك للناس رسولاً».
قوله: «رسولاً» فيه وجهان «
أحدهما: أنه حال مؤكدة.
والثاني: أنه مصدر مؤكِّدٌ بمعنى إرسال، ومن مجيء» رسول «مصدراً قوله: [الطويل]
أي بإرسال، بمعنى رسالة. و» للناس «يتعلق ب» أرسلناك «، واللام للعلة. وأجاز أبو البقاء أن يكون حالاً من» رسولاً «كأنه جعله في الأصل صفةً للنكرةَ فَقُدِّم عليها، وفيه نظر.١٨٤٢ - أ - لَقَدْ كَذبَ الْوَاشُونَ مَا بُحْتُ عِنْدَهُمْ بِسِرٍّ وَلاَ أرْسَلْتُهمْ بِرَسُولِ
فصل
وهذا يدلُّ على أن المُرَاد من هَذِه الآيات إسناد جميع الأمُور إلى الله - تعالى -؛