والأول ينْقَسِم سِتَّة أقْسَام:
أحدها: الهِجْرَة: وهي الخُروج من دَارِ الحرب إلى دَار الإسْلام، وكانت فَرْضَاً في أيَّام النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وهذه الهِجْرَةِ باقيةٌ مفروضَةىٌ إلى يَوْمِ القِيَامَة، والَّتِي انقطعت بالفَتْح: حي القَصْد إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حَيْثُ كَانَ، فإنْ بَقِيَ في دَارِ الحَرْب، عصى ويختلف في حَالِه.
وثانيها: الخُرُوج من أرْض البِدْعَة؛ كما تقَدَّم نَقْلُه عن مالك؛ فإنه إذا لم يَقْدِر على أزَالة المُنْكَر يَزُولُ عَنْهُ، قال [الله]- تعالى -: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الذين يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ [الأنعام: ٦٨].
وثالثها: الخُرُوج من أرض غلب عليها الحرامُ؛ لأن طَلَبَ فَرْضٌ على كُلِّ مُسْلِمٍ.
ورابعها: الفِرَار من الأذِيَّة في البَدَن، وذلك فَضْل من الله ورُخًصَةٌ؛ كما فَعَلَ إبْراهيم - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - لمَّا خَاف من قَوْمِه وقال: ﴿إِنِّي مُهَاجِرٌ إلى ربي﴾ [العنكبوت: ٢٦]، وقال: ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إلى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الصافات: ٩٩]، وقال - تعالى - حكاية عن موسى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: ٢١].
وخامسها: خَوْف المَرَضِ في البلاد الوَخْمَة، فيخرج إلى أرْضِ النزهة؛ لأن النِّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أذن للرُّعاة حين استَوْخَمُوا المدينة، أن يَخْرُجُوا إلى المَسْرَح فيكونوا فيه؛ حتى ما يَصحُّوا، وقد استُثْني من ذلك الخُروُج من الطَّاعُون، بِمَا في الحَدِيث الصَّحيح.
وسادسها: الفِرَار خَوْف الأذِيَّة في المَالِ، فإن حُرْمة مال المُسْلِم؛ كَحُرْمَة دَمِه.
وأما الطَّلَبُ فينقسم قِسْمَيْن:
طلب دِين وطَلَب دُنْيَا.
فأمَّا طَلَب الدِّين فينقسم إلى تِسْعَةِ أقْسَام:
الأول: سَفَر العِبْرة، قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ [كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ ] [الروم: ٩].
يقال: إنَّ ذا القَرْنَيْنِ إنَّما طَافَ الأرْضَ؛ ليرى عَجَائِبَهَا، وقيل: ليُنْفِذَ الحَقَّ فيها.