استِفْهَامِيَّة في محلِّ رفع بالابتداء، و «يُجَادِلُ» : خبره، وقوله: ﴿أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً﴾ أم: مُنقَطِعَة وليست بعاطِفَةِ، وظاهر عِبَارَة مَكِّي: أنها عاطفة، فإنَّه قال: و «أمَّنْ يكُونُ» مثلها [عطف عليها، أي: مثل «مَنْ» في قوله: «فَمَنْ يُجَادِلُ» وهو في محَلِّ نظرٍ؛ لأن في المنقطعة خِلافاً، هل تُسمَّى عاطِفَة أم لا]، والوكيل الكفيل الذي وُكِّلَ إليه الأمْرُ في الحفظ والحماية و «على» هنا بمعنى اللام والمعنى: أمَّنْ يكون لهم وكيلاً، أي من النبي يذب عنهم، ويتولّى أمرهم، ويحميهم من عَذَاب الله يوم القيامة.
لما ذكر الوعيد أتبعه بالدعوة إلى التوبة فقال: ﴿وَمَن يَعْمَلْ سواءا﴾ يعني: السَّرِقَة، ﴿أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ﴾ بِرَمْيه البَرِيء، وقيل: السُّوء: الشِّرْكُ، وظلم النَّفْسِ: ما دون الشِّرْكِ، وقيل: المراد بالسُّوء: ما يَتَعَدَّى إلى الغَيْر، وظلم النَّفْس: ما يَخْتَصُّ به الإنْسَان؛ كالحَلْف الكَاذِب، وإنما خَصَّ ما يتعدى إلى الغَيْر باسم السُّوء؛ لأنَّ ذلك يكون في الأكْثَر إيصَالاً للضَّرَر إلى الغَيْر، والضَّرَرُ سوءٌ حَاضِرٌ.
فأمَّا الذَّنْبُ الذي يَخُصُّ الإنْسَان: فذلك لا يَكُون في الأكثر ضَرَراً حَاضِراً.
وقوله: ﴿ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله﴾ أي: يَتُبْ إلى الله ويَستغفرهُ ﴿يَجِدِ الله غَفُوراً رَّحِيماً﴾ وهذه الآيَة دَلَّت على أنَّ التَّوْبَةَ مَقْبُولَةٌ عن جميع الذُّنُوبِ سواءً كانت كُفْراً، أو قَتْلاً عَمْداً، أو غَصْباً للأمْوَال؛ لأن السُّوء [و] ظلم النَّفْسِ يَعُمُّ الكلُّ، وظاهر الآية يَقْتَضِي أنَّ مجرد الاسْتِغْفَار كَافٍ.
وقال بعضهم: إنَّه مقيَّد بالتَّوْبَة؛ لأنَّه لا يَنْفَع الاسْتِغْفَارُ مع الإصرار.
وقوله: ﴿غَفُوراً رَّحِيماً﴾ معناه: غفوراً رحيماً له، وحُذِفَ هذا القَيْد؛ لدلالة الكَلاَم عَلَيْه.
قال الضَّحَّاك: نَزَلَت هذه الآية في وَحْشي قاتلِ حمْزة، أشْرك باللَّه، وقتل حَمْزَة، ثم جاء إلى الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فقال: إني لَنَادِمٌ، فهل لي من تَوْبَةٍ؟. فنزلت هذه الآية.
وروى سُفْيَانُ عن ابن مَسْعُودٍ، قال: من قرأ هَاتَيْن الآيَتين من سُورة النِّسَاء، ثم