عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٥٠]، وكان مِنْ تَمَامِ نعمته أنْ دَخَلُوا مكةَ آمنينَ، وعليها ظَاهِرِينَ، وحَجُّوا آمنين مُطْمَئِنِينَ لمْ يخالِطْهُمْ أحَدٌ من المشركين.
قال ابنُ الخطيبِ: وهذا المعنى قد عُرِفَ بقوله: ﴿اليوم يَئِسَ الذين كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ﴾ فَحَمْلُهُ على هذا تَكْرِيرٌ، وإنما معنى قوله: ﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأسلام دِيناً﴾ أي: بسبب ذلك الإكمالِ؛ لأنه لا نِعْمَةَ أتم مِنْ نعمة الإسلام.
قوله سبحانه: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الأسلام دِيناً﴾ في «رَضِيَ» وجهان:
أحدهما: أنه مُتعد لِواحدٍ، وهو «الإسلامَ»، و «دِيناً» على هذا حال.
وقيل: هو مُضَمَّنٌ معنى صَيَّرَ وجعل، فيتعدَّى لاثْنَيْن؛ أولهما: «الإسْلاَمَ» والثاني: «دِيناً».
«لكم» يجُوز فيه وجهان:
أحدهما: أنه متعلق ب «رَضَيَ».
والثاني: أنه متعلقٌ بمحذوفٍ؛ لأنَّه حالٌ من الإسلامِ، ولكنَّه قُدِّمَ عليه.
ومعنى الكلام أنَّ هذا هو الدينُ المرضِيُّ عند الله، ويُؤكِّدُهُ قوله تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران: ٨٥].
وقوله تعالى: ﴿فَمَنِ اضطر فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ﴾ قد تقدم الكلامُ عليها في البقرة [آية: ١٧٣].
و «فِي مَخْمَصَةٍ» متعلقٌ ب «اضْطُرَّ»، [ومعنى: «اضْطُرَّ» ] أُصِيبَ بالضر الذي لا يمكنه الامتناعُ معه من الميتةِ.
و «المخمصةُ» : المَجَاعَةُ؛ لأنها تَخْمُصُ [لها] البطونُ: أيْ: تَضْمُرُ.
قال أهل اللُّغَةِ: الخَمْصُ والمَخْمَصَةُ: خَلاَءُ البطن من الطعام، وأصْلُهُ مِنَ الخَمْصِ الذي هو ضُمُور البَطْنِ. يقال: رجل خميصٌ وخُمْصَان، وامرأة خَمِيصَةٌ وخُمْصَانة، والجمع خَمَائِصُ وخُمْصَانَاتٌ، وهي صِفَةٌ مَحْمُودَةٌ في النساء.
ويقال: رجل خُمْصَان وامرأة خُمْصَانة، ومنه أخْمَصُ القدمِ لدِقَّتِهَا، ويستعمل في الجوع والغَرْث.
قال: [الطويل]