وقال مُجَاهِد: الآية خطاب لِعَبَدَة الأوْثان، يعني: مُشرِكِي أهل مَكَّة، وذلك أنَّهم قالوا: لا بَعْث ولا حِسَابَ، وقال أهل الكِتَاب: ﴿لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً﴾ [البقرة: ٨٠]، و ﴿وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نصارى﴾ [البقرة: ١١١]، فأنزل اللَّه الآية، وإنما الأمْر بالعَمَل الصَّالِح.
قوله: ﴿مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ﴾ : جملة مُسْتأنفة مؤكِّدةٌ لحكم الجُمْلَة قبلها.
قالت المُعْتَزِلَةُ: هذه الآية دالَّة على أنَّه [- تعالى -] لا يعفُو عن شَيْءٍ من السَّيِّئَات.
وليس لِقَائِل أن يقُول: هذا يُشْكِلُ بالصَّغَائِر، فإنها مَغْفُورَةٌ.
فالجواب عنه من وَجْهَيْن:
الأول: أن العَامَّ بعد التَّخْصِيص حُجَّة.
والثاني: أن صاحب الصَّغِيرة قد حَبَط من ثَوَابِ طَاعته بِمقْدَار عِقَاب تلك المَعْصِيَة، فههنا قد وَصَل خبر تلك المَعْصِيَة إليه.
وأجابوا بأنه لِمَ لا يجُوز أن يَكُون المُرَادُ من هَذَا الجَزَاء ما يَصل إلى الإنْسَان [في الدُّنْيَا] من الهُمُوم والآلاَم والأسْقَام؛ ويَدُلَّ على ذلك قوله: ﴿والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا﴾ [المائدة: ٣٨] سمَّى القطع جَزَاءً.
ورُوِي: «أنَّه لما نَزَلت هذه الآيَة قال أبو بكر الصِّدِّيق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - كيف الصَّلاح بعد هَذِه الآيَة؟، فقال -[عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ]- غفر اللَّه لكَ يا أبَا بَكْرٍ، ألست تَمْرَض؟ ألَيْس تُصِيبُكَ الآلام؟ فهو ما تُجْزَوْن به».