يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فأولئك يَدْخُلُونَ الجنة}.
فالمؤمن الذي أطَاعَ اللًّه سَبْعِين سَنَةً، ثم شَرِب قَطْرةً من الخَمْر، فهو مؤمِنٌ قد عَمِل الصَّالِحَات؛ فوجب القَطْع بأنَّه يدخل الجَنَّةَ.
وقولهم: خرج عن كوْنه مُؤمِناً، فهو باطل؛ للدلالة الدَّالَّة على أنَّ صَاحِب الكَبِيرة مُؤمِن؛ لقوله - تعالى -: ﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا﴾ [الحجرات: ٩] إلى قوله: ﴿فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا على الأخرى﴾ [الحجرات: ٩] سَمَّى البَاغِي حَالَ كَوْنه باغياً: مُؤمِناً، وقوله ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى﴾ [البقرة: ١٧٨] سَمَّى [قَاتِل العمد العُدْوَان مُؤمِناً]، وقوله ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ توبوا إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً﴾
[التحريم: ٨] سَمَّاه مُؤمِناً حال مَا أمَره بالتَّوْبَة، وإذا ثَبَت أنَّ صَاحِب الكَبِيرَة مُؤمِنٌن كان قوله [- تعالى -] ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات﴾ حُجَّةً في أنَّ المُؤمِن صاحب الكَبِيرَة من أهْلِ الجَنَّةِ؛ فوجبَ أن يكُون قوله: ﴿مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ﴾ مخصوصاً بأهْل الكُفْر.
وأيضاً: فهَبْ أنَّ النَّصَّ يَعُمُّ المؤمِن والكَافِر، لكن قوله: ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ﴾ [النساء: ٤٨] أخص مِنْه، والخاصُّ مقدَّم على العَامِّ، والكَلاَمُ على العُمُومات قد تَقدَّم فِي قوله: ﴿بلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً﴾ [البقرة: ٨١].

فصل في دلالة الآية على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة


دلت الآيَة على أنَّ الكُفَّار مخاطبون بفروع الإسْلام؛ لأن قوله - تعالى -: ﴿مَن يَعْمَلْ سواءا﴾ يتناول جَمِيع المُحَرًّماتِ، فيَدْخل فيه ما صَدَر عن الكُفَّار مما هو مُحَرَّم في دين الإسلام، وقوله: «يُجْزَ بِهِ» يدلُّ على وُصُولِ جَزَاء كُل ذلك إلَيْهم.
فإن قِيلَ: لم [لا] يجُوز أن يَكُون ذَلِكَ الجَزَاء، عِبَارَة عمَّا يصل إليهم من الهُمُوم والغُمُوم في الدُّنْيَا.
فالجَوَابُ أنَّه لا بُدَّ وأن يَصِل جَزَاء أعْمَالِهم الحَسَنة إليْهِم في الآخِرَة، وإذا كان كَذَلِك، اقْتَضَى أن يكُون تَنَعُّمُهم في الدُّنْيَا أكثر؛ ولذلك قال - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - «الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤمِن وجَنَّةُ الكَافِرِ» ؛ فامْتَنَع القَوْل بأنَّ جزاء أفْعَالِهِم المَحْظُورة تَصِلُ


الصفحة التالية
Icon