١٨٨٤ - قَدْ تَخَلَّلْتَ مَسْلَكَ الرُّوحِ مِنِّي وَبِهِ سُمِّي الْخَلِيلُ خَلِيلا
وقال الرَّاغِب: «الخَلَّة - أي بالفتح - الاختلالُ العَارِضُ للنَّفْس: إمَّا لشَهْوَتِها لِشَيْء، أو لحاجتهَا إليه، ولهذا فَسَّر الخَلَّة بالحاَجَة، والخُلَّة - أي بالضم -: المودة: إما لأنَّها تتَخَلَّل النَّفْس، أي: تتوسَّطُها، وإما لأنَّها تُخِلُّ النَّفْسَ؛ فتؤثِّر فيها تأثيرَ السَّهْم في الرَّمِيَّة، وإمَّا لفَرْطِ الحَاجَة إليْها».
وقال الزَّجَّاج: معنى الخليل: الذي لَيْس في مَحبَّتِه خَلَل، وقيل: الخلِيلُ هو الذي يُوافِقُك في خلالِك. قال - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: «تَخَلقوا بأخلاق اللَّه» فلما بلغ إبْرَاهيم - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - في هذا البَابِ مبلَغاً لم يَبْلُغْه أحَدٌ ممَّن تقدَّمَه، لا جَرَم خصَّه اللَّه بهذا الاسْمِ.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ: الخَلِيلُ: [هو] الذي يُسَايِرُك في طَرِيقك، من الخَلِّ: وهو الطَّريق في الرَّمْل، وهذا قَرِيبٌ من الذي قَبْلَه، وقيل: الخَلِيْلُ: هو الذي يسد خللك كما تسُدُّ خَلَله، وهذا ضَعِيف؛ لأن إبراهيم - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - لا يقال: إنه يَسُدُّ الخَلَلَ.
وأما المُفَسِّرُون: فقال الكلبيُّ: عن أبي صَالحٍ، عن ابن عبَّاس: كان إبْرَاهيم - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - أبا الضِّيفان، وكان مَنْزِلُه على ظَهْر الطِّرِيق يُضِيفُ من مَرَّ بِه، فأصاب الناس سنَةٌ فَحشِرُوا إلى بَابِ إبْراهيم يَطْلُبون الطَّعَام، وكانت الميرة له كل سَنَةٍ من صديقٍ له ب «مصر»، فبعث غِلْمَانه بالإبل إلى خَلِيلِه ب «مصر»، فقال خلِيلُه لِغلمانه: لو كان إبراهيم إنَّما يريده لنفْسِه، لاحْتَمَلْنَا ذلك لهُ؛ فقد دَخَلَ عَلَيْنَا ما دَخَلَ على النَّاس من الشِّدَّة، فرجع رُسُل إبْراهيم - عليه السلام - فمرُّوا بِبَطْحاء [سهلة] فقالوا: لو أنَّا حملنا من هذه البَطْحَاء؛ ليرى النَّاسُ أنا قد جِئْنَا بميرة، فإنَّا نَسْتَحِي أن نمرّ بِهِم، وإبلنا فَارِغَةٌ، فملأوا لتك الغرائر سهلة ثم أتَوْا إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - فأعْلَمُوهُ [بذلك] و [سارةُ نَائِمَةٌ]، فاهْتَمَّ إبْرَاهيم - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - لمكان النَّاسِ بِبَابِه، فَغَلَبته عَيْنَاه فَنَام، واستيقظت سَارة و [قد] ارتفع النَّهَار، فقَالَت: سُبْحَان الله! ما جَاءَ


الصفحة التالية
Icon