فصل في معنى الآية


قال بعضُ المُفَسِّرين: معنى قوله «غَيْرَ الحَقِّ» أي: في دينِكُمُ المُخالِف للحَقِّ؛ لأنَّهُمْ خَالَفُوا الحقَّ في دينهِمْ، ثُمَّ غَلَوْا فيه بالإصْرَار عَليْه.
وقال ابْنُ الخَطيبِ: مَعْنَى الغُلُّو الباطل: أن تَتَكَلَّفَ الشُّبَهَ وإخْفَاءَ الدَّلائلِ، وذلك الغُلُوُّ أنَّ اليهُودَ - لعنُهُم اللَّهُ - نَسَبُوا سَيِّدنَا عيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - إلى الزِّنَا وإلى أنَّهُ كَذَّابٌ والنَّصارى - لعنهم اللَّهُ - ادَّعَوا فيه الإلَهِيَّةِ.
قوله تعالى: ﴿وَلاَ تتبعوا أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ﴾ الآية.
الأهْوَاء: جمْعُ الهَوَى، وهو ما تَدْعُو إلَيْه شهوةُ النَّفْسِ.
والمراد هَاهُنَا: المذاهِبُ الَّتِي تدعو إليها الشَّهْوةُ دُونَ الحُجَّة.
قال الشَّعْبِيُّ: ما ذكر اللَّهُ بلفظ الهوى في القُرآن إلاَّ ذَمَّهُ.
قال تعالى: ﴿وَلاَ تَتَّبِعِ الهوى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ الله﴾ [ص: ٢٦]، ﴿واتبع هَوَاهُ فتردى﴾ [طه: ١٦]، ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى﴾ [النجم: ٣]، ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ﴾ [الفرقان: ٤٣].
قال أبُو عُبَيْدٍ: لم نجدِ الهوى يوضع إلا في مَوْضِعِ الشَّرِّ، لا يقال: فلانٌ يَهْوَى الخَيْر، إنما يقال: يريدُ الخَيْر ويُحِبُّهُ.
وقال بعضُهم: الهَوَى إلهُ يعبدُونَهُ من دُونِ اللَّهِ.
وقيل: سُمِّي الهَوَى هَوى؛ لأنَّهُ يَهْوِي بَصَاحِبِه في النَّارِ وأنْشَدُوا في ذَمِّ الهَوَى قوله: [الكامل]
٢٠٢٩ - إنَّ الهَوَى لَهُوَ الْهَوَانُ بِعَيْنِهِ فَإذَا هَوِيتَ فَقَدْ لَقِيتَ هَوَانَا
وقالَ رَجُلٌ لابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي جَعَل هَوَايَ على هواك، فقال ابنُ عبَّاس: «كُلَّ هوى ضلالةٌ».
قوله تعالى: ﴿وَأَضَلُّواْ كَثِيراً﴾ في نصب «كثيراً» وجهان:
أحدهما: أنه مفعولٌ به، وعلى هذا أكثرُ المتأوِّلين؛ فإنهم يفسِّرونه بمعنى: وأضلُّوا كَثِيراً مِنْهُمْ أو مِنَ المُنَافِقِينَ.
والثاني: أنه منصوبٌ على المصدرية، أي: نعت لمصدرٍ محذوف، أي: إضلالاً كثيراً، وعلى هذا، فالمفعولُ محذوف، أي: أضَلُّوا غَيْرَهُمْ إضْلالاً كَثِيراً.


الصفحة التالية