بالنَّصِّ في الحَقِيقَةِ؛ لأنَّه يَصِير التَّقْدير: أنه - تعالى - قال: مَتَى غَلَب على ظَنِّك أن حكم الصُّورَة المَسْكُوت عنها، مثل حُكُم الصُّورَة المَنصُوص عَلَيْها، بسبب أمرٍ جامعٍ [فاعْلم: أنَّه تكليفي في حَقِّك أن تَعْمَل] بِمُوجِبِ ذلكِ الظَّنِّ، وإذا كان كَذَلِك، كان العَمَل بالقِيَاسِ عَمَلاً بالنَّصِّ.
قوله: «للخائنين» متعلِّق ب «خَصِيماً» واللامُ: للتَّعْلِيل، على بَابِها، وقيل: هي بِمَعْنى: «عن»، ولَيْسَ بشيء؛ لصِحَّة المَعْنَى بدون ذَلِك، ومفعولُ «خصيماً» : محذوفٌ، تقدِيرُه: «خَصِيماً البُرَآء»، وخَصِيمٌ: يجو أن يَكُون مِثَال مبالغةٍ، كضريبٍ، وأن يكون بمعنى: مُفاعل، نحو: خَلِيط وجَلِيس بمعنى: مُخاصِم ومُخالِط ومُجالِس.
قال الوَاحِدِي: خَصْمُك الذي يُخَاصِمُك، وجمعه: الخُصَمَاء، وأصْلُه من الخصْم: وهُو ناحية الشَّيْءِ، والخصْم: طَرْف الزَّاوِيَة، وطَرَف الأشْفَار، وقيل للخَصْمَين: خَصْمَان؛ لأنَّ كل واحدٍ منهما في نَاحِيَةٍ من الحُجَّة والدَّعْوى، وخُصُوم السَّحَابة: جَوَانِبها.

فصل: في سبب نزول الآية


روى الكلبي، عن أبي صَالح، عن ابن عبَّاسٍ، قال: نزلت هذه الآية في رَجُل من الأنْصَار، يقال له: طعمة بن أبَيْرِق من بني ظَفر بن الحارث، سرقَ دِرْعاً من جَارٍ له يُقَال له: قتادة بن النُّعْمَان، وكانت الدِّرْع في جراب له فيه دَقِيقٌ، فجعل الدَّقِيق يَنْتَثِر من خِرْق في الجِرَاب، حتى انْتَهَى إلى الدَّار، ثم خَبَّأها عند رَجُلٍ من اليَهُود، يُقال له: زَيْد ابن السَّمِين، فالتُمِسَتِ الدِّرْع عند طعمة، فحَلَف بالله ما أخَذَها وما لَهُ بها من علم، فقال أصْحَابُ الدِّرْع: لقد رَأينا أثر الدقيق حتى دخل دَارَه، فلما حَلَف، تركوه واتَّبَعُوا أثر الدقيق إلى مَنَزِل اليَهُودِيِّ؛ فأخذوه منه، فقال اليَهُودِيُّ: دفعها إليّ طعمة بن أبَيْرِق، فجاء بنو ظفر وهم قوم طُعْمَة إلى رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وسألُوه أن يُجادل عن صَاحِبِهم، وقالوا له: إنك إن لم تَفْعَل، افْتَضَحَ صَاحِبُنا، فهمَّ رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يُعاقِب اليَهُودِي.
ويروى عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عَنْهُما في رواية أخْرى: أن طعمة سَرَق الدِّرْع في جِرَابٍ فيه نخالة، فخرق الجِرَاب حَتَّى كان يَتَنَاثر منه النُّخَالة طُول الطَّرِيق، فجاء به إلى


الصفحة التالية
Icon