وقال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: له أنْ يتصدَّق به حيث شاءَ، كما أنَّ لَهُ أن يصُومَ حيْثُ شاء، وحجَّةُ القولِ الأوَّل: أنَّ الذَبْحَ إيلامٌ، فلا يجُوزُ أن يكُون قُرْبَةً، بل القُرْبَةُ إيصَالُ اللَّحْم إلى الفقَراءِ.
قوله: «أو كَفَّارةٌ» عطفٌ على قوله: «فَجَزَاءٌ»، و «أوْ» هنا للتخيير، ونُقِل عن ابن عباس؛ أنها ليسَتْ للتخيير، بل للترتيب، وهذا على قراءةِ مَنْ رفع «فَجَزَاءٌ»، وأمَّا مَنْ نصبه، فقال الزمخشريُّ: جعلها خَبَرَ مبتدأ محذوفٍ؛ كأنه قيل: أو الواجبُ عليه كفَّارةٌ، ويجوزُ أن تُقَدَّرَ: فعليه أن يجْزِي جزاءً، أو كفارةً، فتعطفَ «كَفَّارة» على «أنْ يَجْزِيَ»، يعني أنَّ «عليه» يكونُ خبراً مقدَّماً، و «أن يَجْزِيَ» مبتدأ مؤخَّراً، فعطفت «الكفَّارة» على هذا المبتدأ، وقرأ نافع وابنُ عامرٍ بإضافة «كَفَّارة» لما بعدها، والباقون بتنوينها، ورفع ما بعدها.
فأمَّا قراءةُ الجماعةِ، فواضحةٌ، ورفعُ «طَعَامُ» على أحد ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه بدل من «كَفَّارةٌ» ؛ إذ هي من جنسه.
الثاني: أنه بيانٌ لها؛ كما تقدَّم، قاله الفارسيُّ. وردَّه أبو حيان؛ بأنَّ مذهبَ البصريِّين اختصاصُ عطفِ البيانِ بالمعارفِ دون النكرات، قال شهاب الدين: أبو عَلِيٍّ يُخالِفُ في ذلك، ويستدلُّ بأدلَّة، منها قوله تعالى: ﴿شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ﴾ [النور: ٣٥]، ف «زَيْتُونَةٍ» عنده عطفُ بيان ل «شَجَرَة»، وكذا قوله تعالى: ﴿مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٦]، ف «صَدِيد» عنده بدلٌ من «مَاءٍ»، والبدلُ فيهما محتملٌ؛ فلا حُجَّةَ له، والبدل قد يجيء للبيان.
الثالث: أنه خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: هي طعام، أي: تلك الكفارة.
وأمَّا قراءة نافع وابن عامرٍ، فوجهها: أنَّ الكفارة، لمَّا تنوَّعَتْ إلى تكفير الطعام، وتكفير بالجزاء المماثل، وتكفير بالصيام، حسُنَ إضافتها لأحَدِ أنواعها تبييناً لذلك، والإضافةُ تكون بأدْنَى ملابسة؛ كقوله: [الطويل]
٢٠٥٣ - إذَا كَوْكَبُ الخَرْقَاءِ لاحَ بِسُحْرةٍ | سُهَيْلٌ أذَاعَتْ غَزْلَهَا فِي القَرَائِبِ |