والجوابُ من وُجُوه:
أحدها: ألا نَحْمِل قوله: «إنَّ الَّذين» على الاسْتِغْرَاق، بل على المَعْهُود السَّابق، وهم أقْوام مُعَيَّنُون علم الله أنَّهم يَمُوتون على الكُفْر، ولا يَتُوبون عَنْه، فقوله: ﴿لَّمْ يَكُنْ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ﴾ إخبار عن مَوْتِهِم على الكُفْر.
وثانيها: أن الكلام خَرَج على الغَالِب المُعْتَاد، فإن كان كَثِير الانْتِقَال من الإِسْلاَم إلى الكُفْر، لم يكن للإيمان في قَلْبِه وَقْع، ولا وَجَد حلاوَةَ الإيمان كما تقدَّم، والظَّاهِر ممن حاله هذا أنَّه يمُوت كَافراً.
وثالثها: أن الحُكْم على المَذْكُورِ في الآية مَشْرُوطٌ بعدم التَّوْبة عن الكُفْر، وقول السائل إنَّه على هذا التَّقْدير تَضْييعُ الصِّفات المَذْكُورَة.
قلنا: إنَّ إفْرادَهُ بالذِّكْر يدلُّ على أن كُفْرَهُم أفْحَش، وخيانتهم أعْظَم، وعُقُوبتهم في القِيَامَة أوْلَى، فجرى مُجْرَى قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ﴾ [الأحزاب: ٧] خصَّهُما بالذِّكر لأجل التشريف، وكقوله: ﴿وملاائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ [البقرة: ٩٨].
فإن قيل: اللاَّم في قوله: «لِيَغْفِرَ لَهُم» : للتأكيد، وهو غَيْر لائقٍ بهذا المَوْضِع، وإنَّما اللائِق به تَأكيد النَّفْي.
فالجواب: إن نفي التَّأكيد على سَبِيل التَّهَكُم مُبَالَغَة في تَأكِيد النَّفْي، وهذه اللاَّم تُشْبِه اللاَّم في قوله: ﴿مَّا كَانَ الله لِيَذَرَ المؤمنين﴾ [آل عمران: ١٧٩]، تقدَّم الكلام فيه، ومَذَاهب النَّاس، وأن لاَمَ الجحود تُفِيد التَّوْكِيد، والفرق بَيْن قَوْلك: «مَا كَانَ زَيْد يَقُوم»، و «ما كانَ لِيَقُوم».
قوله: ﴿ولا ليهديهم سبيلاً﴾ يدلُّ على أنه - تعالى - لم [يَهْدِ] الكافرين إلى الإيمَانِ.
وقالت المُعْتَزِلَةُ: هذا مَحْمُول على زِيَادة الألْطَاف، أو عَلَى أنَّه لا يَهْدِيهم إلى الجَنَّة في الآخِرة.
قوله ﴿بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً﴾ البشارة: كل خبرٍ تتغيَّرُ به بشرَةُ الوجْهِ، سارّاً كان أو غَيْر سَارٍّ.
وقال الزَّجَّاج: مَعْنَاه: اجعل في مَوْضع بِشَارتك لَهُم العَذَاب، كما تقول العرب: «تحيتك الضَّرْبُ وعِتَابُكَ السَّيْفُ»، أي: بَدَلاً لكُم من التَّحِيَّةِ، ثم وصَفَ المُنَافِقِين،


الصفحة التالية
Icon