فالجواب: أن القُدْرة الكامِلَة للَّه، وكل من سِوَاه فبإقداره صَار قادراً، وبإعْزَازه صارَ عَزِيزاً، فالعِزَّة الحَاصِلة للرسُول وللمُؤمنين لم تحصل إلا من اللَّه - تعالى -، فكان الأمْر عند التَّحْقِيقِ: أنَّ العِزَّة للَّه جَمِيعاً.
قرأ الجماعة: «نُزِّل» مبنياً للمفعول، وعاصم ويعقوب قَرَآه «نَزَّلَ» مبنياً للفاعِل، وأبو حَيْوة وحُميد: «نَزَل» مخففاً مَبْنياً للفاعِل، والنخعي: «أُنْزِل» بالهَمْزَة مبنياً للمفعُول.
والقائمُ مقامَ الفاعِل في قراءة الجَمَاعة والنَّخعي، هو «أنْ» وما في حيِّزها، أي: وقد نَزَّل عليْكُم المَنْعَ من مُجَالستِهِم عند سَماعِكم الكُفْر بالآيَات، والاسْتِهْزَاء بها.
وأمّا في قراءة عاصمٍ: ف «أنْ» مع ما بعدها في مَحَلِّ نصبٍ مفعولاً به ب «نزَّل»، والفاعل ضميرُ الله - تعالى - كما تقدَّم.
وأما في قِرَاءة أبي حَيْوة وحمَيد: فمحَلُّها رفعٌ بالفاعِليّة ل «نزل» مخففاً، فمحَلُّها: إمّا نَصْب على قِرَاءة عَاصِمٍ، أو رَفْع على قِراءة غيره، ولكن الرَّفْع مختلف.

فصل


قال المفسِّرون: المَعْنَى: وقد نَزَّل عليكم يا معشر المُؤمنين، ﴿أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ الله﴾ يعني: القُرْآن ﴿يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم﴾ يعني: مع المُسْتَهْزِئين ﴿حتى يخوضوا في حديث غيره﴾، وذلك أنَّ المُشركِينَ كانُوا يخوضُونَ في مُجَالَسَتِهم في ذِكْر القُرْآن، يستَهْزِئُون به، فأنْزَل الله - تعالى - ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الذين يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حتى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ [الأنعام: ٦٨] وهذه الآية نَزَلَتْ في مَكَّة.
ثم إن أحْبَار اليهُود بالمدينَة، كانوا يَفْعَلُون فعل المُشْرِكِين، وكان المُنافِقُون يَقْعُدون معهُم، ويُوافِقُونهم على ذلك، فقال - تعالى - مُخَاطِباً لَهُم: «أنه قد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها» والمعنى: إذا سَمِعْتُم الكُفْر بآيَات اللَّه والاستهزاء بِهَا، لكنَّه أوْقع فعل السماع على الآية، والمُراد بها: سَمَاع الاسْتِهْزَاء.


الصفحة التالية
Icon