إمَّا لأنَّ الكُفر والاستِهْزَاء شيءٌ واحدٌ في المعْنَى:
وإمَّا لإجراءِ الضَّميرِ مُجْرى اسم الإشَارةِ، نحو: ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذلك﴾ [البقرة: ٦٨]. وقوله: [الرجز]
١٨٩٠ - كَأنَّهُ فِي الجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهَق... وقد تقدَّم تَحْقِيقُه في البقرة، و «حتى» : غايةٌ للنَّهْي، والمعنى: أنه يجُوز مُجَالستهم عند خَوْضِهم في غير الكُفْر والاستِهْزَاء.
قال الضَّحاك: عن ابن عبَّاسٍ: دخل في هذه الآية كل مُحْدِث في الدِّين، وكل مُبْتَدِع إلى يَوْم القِيَامَةِ.
قوله: ﴿إنكم إذاً مثلهم﴾ «إذاً» هنا: مُلغَاةٌ؛ لوقوعها بين مُبْتَدأ وخبر، والجمهور على رفعِ اللام في «مثلُهم» على خَبَرِ الابتداء، وقرئ شاذاً بفتحها، وفيها تَخْريجَان:
أحدهما: - وهو قولُ البصْريِّين - أنه خبر أيضاً، وإنما فُتِح لإضافته إلى غير مُتَمَكِّن؛ كقوله - تعالى -: ﴿إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ﴾ [الذاريات: ٢٣] بفتح اللاَّم، وقول الفرَزْدَق: [البسيط]
١٨٩١ -..................................... وإذْ مَا مِثْلَهُمْ بَشَرُ
في أحدِ الأوجه.
والثَّاني: - وهو قولُ الكُوفيِّين - إن «مِثْل» يَجُوز نصبها على المَحَلِّ، أي: الظرف، ويُجيزُون: «زيد مِثْلَك» بالنَّصب على المحلِّ أي: زيدٌ في مثل حالك، وأفرد «مثل» هُنَا، وإن أخْبَرَ به عن جَمْع ولم يُطابق به كما طابق ما قبله في قوله: ﴿ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم﴾ [محمد: ٣٨]، وقوله: ﴿وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ﴾ [الواقعة: ٢٢، ٢٣].
قال أبُو البقاء وغيره: لأنه قصد به هُنَا المصدر، فوحَّد كما وحَّد في قوله: ﴿أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا﴾ [المؤمنون: ٤٧]. وتحرير المَعْنَى: أن التقدير: إنَّ عصيانكم مثل عصيانهم، إلا أنَّ تقدير المصدريّة في قوله: «لِبَشَريْنِ مِثْلِنَا» قلق.


الصفحة التالية
Icon