أرَادُوا بذلك القَلِيل وَجْهَ اللَّه، لكان كَثِيراً، وقال قتادة: إنَّما قلَّ ذكرُ المُنَافِقِين؛ لأنَّ الله لم يَقْبله، وكلّ ما قَبِلَ اللَّه، فهو كَثِيرٌ.
وقيل: المعنى: لا يصلّون إلا قَليلاً، [والمُرادُ ب «الذكر» الصَّلاة]، وقيل: لا يَذْكُرُون اللَّه في جَمِيع الأوقات، سواءً كان وَقْت الصَّلاة أوْ لَمْ يكُن إلاَّ قَلِيلاً نادراً.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ: [وترى] كثيراً من المُتَظَاهِرِين بالإسْلام، لو صِحِبْتَهُ الأيَّام واللَّيَالي، لَمْ تسمع منه تَهْلِيلَةً، ولكن حَدِيث الدُّنْيَا يَسْتَغْرِقُ به أوْقاته، لا يَفْترُ عَنْه.
قوله: «مُذَبْذَبِينَ» : فيه ثلاثةُ أوجهٍ:
أحدها: أنه [حالٌ] من فاعل «يراءون».
الثاني: أنه حالٌ من فاعل «وَلاَ يَذْكُرُون».
الثالث: أنه منصوبٌ على الذَّمِّ، والجمهور على «مُذَبْذَبينَ» بميم مضمومة وذَالَيْن معجمتَيْن، ثانيتهما مفتوحةٌ على أنه اسم مفعول، من ذَبْذَبْتُهُ، فَهُوَ مُذَبْذَبٌ، أي: مُتَحَيِّرٌ، وقرأ ابن عبَّاس وعمرو بنُ فائدٍ بكَسْر الذال الثانيةِ اسمَ فاعلٍ، وفيه احتمالان:
أحدهما: أنه من «ذَبْذَب» متعدِّياً، فيكونُ مفعولُه محذوفاً، أي: مُذَبْذَبينَ أنْفُسَهُمْ أو دينهُمْ، أو نحو ذلك.
الثاني: أنه بمعنى تَفَعْلَل، نحو: «صَلْصَلَ» فيكون قاصراً؛ ويَدُلُّ على هذا الثاني قراءةُ أبَيٍّ، وما في مصحف عبد الله «مُتَذَبْذِبِينَ» فلذلك يُحْتَمَلُ أن تكونَ قراءةُ ابن عبَّاس بمعنى مُتَذَبْذبين، وقرأ الحَسَنُ البصريُّ «مَذَبْذَبِين» بفتح الميم.
قال ابن عطيَّة: «وهي مردودةٌ» وقال غيره: لا ينبغي أن تَصِحَّ عنه، واعتذر أبو حيان عنها لأجْلِ فصاحة الحَسَن، واحتجاجِ الناس بكلامه بأنَّ فتْح الميم لأجل إتباعها بحركة الذال؛ قال: «وإذا كانُوا قد أتبعوا في» مِنْتِنٍ «حركة الميم بحركة التاء، مع الحاجز بينهما، وفي نحو» مُنْحَدُر «أتبعوا حركة الدال بحركة الراء حالة الرفع، مع أنَّ حركة الإعراب غيرُ لازمة؛ فلأنْ يُتْبِعُوا في نحو» مَذَبْذَبِينَ «أوْلَى». [قال شهاب الدين:] وهذا فاسدٌ؛ لأن الإتباع في الأمثلة التي أوردها ونظائِرَها إنما هو إذا كانت الحركةُ قويةً، وهي الضمةُ والكسرةُ، وأمَّا الفتحةُ فخفيفةٌ، فلم يُتْبِعُوا لأجْلها، وقرأ ابن القعقاع بدَالَيْن مُهْملتَيْنِ من الدُّبَّة، وهي الطريقة [الَّتي يُدَبُّ فيها] يقال: «خَلِّني وَدُبَّتِي» أي: طريقَتِي؛ قال: [الطويل]


الصفحة التالية
Icon