وحقيقةُ المذبذب الذي يُذَبُّ عن كلا الجانبين، أي: يُذاد ويُدْفع، فلا يقرُّ في جانبٍ واحدٍ، كما يقال:» فُلانٌ يُرْمَى به الرَّحَوانِ «، إلا أنَّ الذبذبة فيها تكريرٌ ليْسَ في الذَّبِّ، كأنَّ المعنى: كلَّما مالَ إلى جانبٍ ذَبَّ عنه».
قال ابن الأثير في «النهاية» وأصْلُه من الذَّبِّ وهو الطَّرْدُ؛ ومنه قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: «تزوَّجْ وإلاَّ فأنْتَ مِنَ المُذَبْذَبِينَ» أي: المَطْرُودين عن المؤمنين لأنَّكَ لم تَقْتَدِ بهم، وعن الرُّهْبَانِ؛ لأنك تَرَكْتَ طَريقَتَهُم، ويجُوز أن يكُونَ من الأوّل.
و «بَيْنَ» معمولٌ لقوله: «مُذَبْذَبِينَ» و «ذَلِكَ» إشارةٌ إلى الكُفْر والإيمانِ المدلولِ عليهما بذكْرِ الكافرين والمؤمنين، ونحو: [الوافر]
١٨٩٧ - إذا نُهِيَ السَّفِيهُ جَرَى إليه...................................
أي: إلى السَّفَهِ؛ لدلالة لفظ السفيه عليه، وقال ابن عطية: «أشر إليه، وإن لم يَجْرِ له ذِكْرٌ؛ لتضمُّن الكلام له؛ نحو: ﴿حتى تَوَارَتْ بالحجاب﴾ [ص: ٣٢] ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ [الرحمن: ٢٦] يعني توارتِ الشمسُ، وكُلُّ من على الأرْضِ؛ قال أبو حيان» وليس كذلك، بل تقدَّم ما يدُلُّ عليه «وذكر ما قدَّمْتُه، وأشير ب» ذَلِكَ «وهو مفردٌ لاثنين؛ لما تقدَّم في قوله ﴿وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذلك﴾ [البقرة: ٦٨].
قوله: ﴿لاَ إلى هؤلاء وَلاَ إِلَى هؤلاء﴾ »
إِلَى «في الموضعيْنِ متعلقةٌ بمحْذُوف، وذلك المحذوف هو حالٌ حُذِفَ؛ لدلالة المعنى عليه، والتقدير: مُذَبْذَبينَ لا مَنْسُوبينَ إلى هؤلاء ولا منسوبين إلى هؤلاء، فالعاملُ في الحال نَفْسُ» مُذَبْذَبينَ «، قال أبو البقاء:» وموضعُ ﴿لا إلى هؤلاءِ﴾ نصبٌ على الحالِ من الضمير في مذبذبين، أي: يتذبذبون مُتَلَوِّنينَ «وهذا تفسير معنًى، لا إعراب.

فصل


قال قتادة: معنى الآيَة: ليْسُوا مُؤمِنين مُخْلصِينَ، فَيَجِبُ لَهُم مَا يجِبُ للمُؤمنين، ولا مُشْرِكين مُصَرِّحِين بالشِّرْكِ.


الصفحة التالية
Icon